إقتراح قانون لحل رباعي للدولة و”المركزي” والمصارف والمودعين
كتب طارق ترشيشي في “الجمهورية”:
في أحد التعهّدات الـ 23 التي أطلقها في خطاب القَسَم، أعلن رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون «عدم التهاون في حماية أموال المودعين والحاجة إلى مصارف لا يكون الحاكم فيها إلّا القانون».
حماية أموال المودعين، هي «عمود الأساس» لأيّ مشروع أو خطة أو قانون لحلّ الأزمة المالية، وإنصاف الأطراف المعنية كافة بتداعيات الانهيار المالي الذي يعيشه لبنان منذ العام 2019.
«حماية الودائع بالعملات الأجنبية العالقة في المصارف العاملة في لبنان، وإعادة الانتظام في عمل القطاعين المالي والمصرفي» واسترداد الودائع وفق جدول زمني قصير المدى، هو عنوان اقتراح القانون الذي أعدّه رئيس اللجنة النيابية للاقتصاد الوطني والتجارة والصناعة والتخطيط النائب الدكتور فريد البستاني. وهذا الاقتراح الذي سيضعه على طاولة النقاش في اجتماعات لجنته النيابية على طريق توسيع النقاش فيه لإيصاله إلى الهيئة العامة لإقراره، في خطوة يرى خبراء اقتصاديون وماليون أنّها تكاد تكون الأولى من نوعها منذ العام 2019 التي تقدّم حلولاً للأزمة المالية وتنصف الأطراف الاربعة المعنية بها، وهم المودعون بالدرجة الاولى، ومن ثم الدولة اللبنانية، المصارف، ومصرف لبنان.
ومنذ سبعة أشهر على الأقل، يعمل البستاني مع فريق من الخبراء والاختصاصيين الماليين والاقتصاديين لرسم خريطة طريق جدّية لحل أزمة الودائع واستردادها، بعيداً من أيّ طرح يشير من قريب أو من بعيد إلى شطب الودائع أو أيّ نسب منها.
ويوضح أحد المعنيين بصوغ القانون، أنّ «الطرح هو طرح وطني. لسنا طرفاً. بل إنّ المصلحة الوطنية تقتضي حماية حقوق المودعين والحفاظ عليها من خلال إعادة الانتظام المالي، وخلق السيولة المتوافرة لاسترداد الودائع، وتقوية القوة الشرائية لدى المودع الذي سيفعّل بدوره العجلة الاقتصادية من خلال تحسن قدرته على الاستهلاك. الأمر الذي يعود بالخير على المواطنين، جميع المواطنين، وليس على المواطنين المودعين فقط.
حماية الضحية
المودع هو الضحية الأولى والمباشرة في الأزمة. لقد وثق كل مواطن لبناني مقيم أو مغترب وكل أجنبي بالنظام المالي اللبناني والقطاع المصرفي والوعود والتطمينات التي كانت تُعطى لهم طوال عقود، «فسلّموا الأمانة، وهي أموالهم، وأودعوها المصارف».
وينطلق هذا القانون من مبدأ الحفاظ على هذه الأمانة والحق والملكية المكفولة في الدستور، وبالتالي فإنّ المطروح يهدف إلى تحقيق المساواة بين الأطراف الاربعة كافة.
ويوضح المصدر عينه، أنّ «الخطط التي طُرحت تحت عناوين مختلفة منذ أربع سنوات إلى اليوم، أتت بمعظمها على حساب المودع. ففي هذه الخطط سُرق 80 في المئة على الأقل من أموال المودعين. أربع خطط حكومية، جعلت بمعظمها المودع الحلقة الأضعف في أيّ حلّ للأزمة. لكن لا يمكن لأيّ جهة تريد مقاربة الحلّ للأزمة المالية، أن تتعاطى مع المودع وكأنّه مقامر، حمل أمواله وأودعها المصرف وطلب منه المقامرة بها أو رهنها في لعبة. كما أنّ الوديعة ليست استثماراً أو قرضاً، إنّما هي أمانة وضعت في المصارف. وبالتالي، يفترض أن تردّ هذه الأمانة، وأن لا تخضع للابتزاز والشطب والحسم».
مرتكزات اقتراح القانون
يرتكز القانون على ثلاث ركائز: حماية الحق، الانتظام المالي وخلق الثقة في القطاع المصرفي والاقتصاد، واسترداد الحق..
الركيزة الأولى، تتمثل بحماية الحقوق والودائع من أيّ عملية شطب، أو حسم، أو تغيير طبيعتها من ودائع إلى أسهم من دون الموافقة الصريحة لصاحب الوديعة. وهذا ما تنص عليه المادة الاولى من القانون بالاستناد إلى المادة 15 من الدستور.
الركيزة الثانية، تتمثل باستعادة الثقة بالقطاع المالي والمصرفي. لذلك يطلب القانون بموجب المادة الثالثة، الرابعة، والخامسة منه من كل جهة معنية، أي الدولة ومصرف لبنان والمصارف أن ينتظموا مالياً، وفق المعايير العالمية المصرفية والحسابية..
والركيزة الثالثة، تتمثل باسترداد الحقوق ومن خلالها الثقة، وهي تُترجم بالنمو الاقتصادي والاستثماري في البلد. وبالتالي، إذا لم ترمّم الثقة بين المودع والمصارف، لن ينتظم النظام المالي وبشكل أساسي المصرفي أبداً.
ويقول المصدر نفسه، وهو أحد المعنيين بصوغ القانون: «الثقة هي الأساس. والحفاظ على الودائع أساس. فالمودع خسر أكثر من 80 في المئة من وديعته، بسبب إجراءات ومخالفات لكل القوانين والمعايير المالية، بالإضافة إلى المخالفات في تعاميم مصرف لبنان منذ العام 2019 إلى اليوم. وإن طرح قانون يحمي الودائع، ويستردها، ويحفظ حقوق الأطراف كافة، يقطع الطريق على الخطط الحكومية السابقة التي كانت تروج لشطب الودائع، معتبرةً أنّ المودع هو المسؤول عن جعل نفسه الضحية. ولكن بمجرد تأمين حماية الودائع من أي عملية شطب، نكون انطلقنا إلى عملية انتظام القطاع المالي والمصرفي في الدولة ومصرف لبنان والمصارف واستعادة ثقة المستثمرين في القطاع المصرفي والاقتصاد. كما يكفي بمجرد إعادة الانتظام لعمل هذه القطاعات أن تتوافر السيولة لإعادة تكوين الودائع».
وبطبيعة الحال، فإنّ إعادة الانتظام إلى القطاع المالي والمصرفي يحصل من خلال إعادة هيكلة ورسملة القطاع المصرفي وديون الدولة وديون مصرف لبنان. «بالتدرّج، إنّ إقرار القانون يثبت أولاً حماية الودائع، ويؤسس ثانياً لتأمين السيولة لإعادة الانتظام إلى القطاع المالي والمصرفي. وفي مرحلة ثالثة، يعيد جدولة استعادة الودائع والحقوق للمودعين بالعملات الاجنبية العالقة في المصارف العاملة في لبنان. وعندما يُقرّ قانون يحفظ الودائع، حكماً يبدأ مسار استعادة الثقة».
عودة الانتظام المالي
هي حلقة متكاملة مترابطة تؤدي إلى عودة الانتظام المالي.
يرسم اقتراح القانون خريطة طريق في هذا المجال. يطلب من الدولة أن تعيد للمصرف المركزي ما استدانته منه على فترة تمتد إلى ست سنوات. كما يطلب من «المركزي» أن يتحمّل جزءاً من هذه المسؤولية، ويقترح أن يعيد الاموال من خلال تطوير أصوله وإيراداته. أما المصارف، وعلى غرار الأنظمة المصرفية في العالم، فعليها أن تتبع المعايير العالمية لاسترداد ثقة المودع، كما ثقة الداخل والخارج، لكي تتعامل المصارف المراسلة معها.
على أن الانتظام المالي هو المدخل الرئيسي للاستثمار في الاقتصاد، ومن خلاله الاستثمار في إعادة الإعمار. وضخ الاموال في الاستثمار لا يتحقق الّا عبر نظام مصرفي سليم. وإذا كان يُحكى فعلاً عن مرحلة جديدة في إدارة البلد ومواكبة المتغيّرات في المنطقة، والعودة إلى الحضن العربي، الشريك المالي والاقتصادي الرئيسي للبنان، فلا بدّ من أن يكون ذلك عبر إقرار القوانين والإصلاحات العادلة والمطابقة للمعايير العالمية وإقامة دولة القانون والمؤسسات والعدالة والقضاء النزيه. وعند تشريع مبدأ حماية الودائع ومعه تثبيت حقوق الدولة والمصارف ومصرف لبنان، يبدأ بناء الثقة بالنظام اللبناني مرّة جديدة، وعندها يمكن التشاور لإعادة تمويل الدولة عبر صندوق النقد الدولي والصناديق العربية والاستثمار العربي بورشة إعادة إعمار الاقتصاد من جهة، وما دمّرته الحرب من جهة أخرى.
العبرة في التطبيق
منذ العام 2019، وضعت أربع خطط تحت عنوان «التعافي المالي». وطرحت كلها شطب نسب من الودائع، ووصل آخرها إلى شطب 90 في المئة منها.
ولكن في عهد رئيس جمهورية يتعهّد بحماية الودائع، وفي عهد رئيس حكومة مكلّف، هو في الأساس قاضٍ يدافع عن أصحاب الحقوق، هل ستجد هذه القضية حلاً عادلاً في مجلس نيابي يضمّ تكتلات وكتلاً كانت في الفترة الماضية ضدّ أي خطة إصلاحية مالية، ومنعت إقرار القوانين الإصلاحية، بدءاً من قانون «الكابيتال كونترول» في بداية الأزمة. وهل ستقف هذه الأطراف نفسها اليوم في وجه قانون يكرّس «حماية الودائع»؟ أم أنّ من سيقف في وجه إصلاح من هذا القبيل وغيره من الاصلاحات، يدين نفسه ويؤكّد بالدليل القاطع أنّه يحمي نفسه ومجموعته، ويريد الاستمرار في تغطية منظومة الفساد والتآمر على شطب الأمانة التي أودعها لبنانيون مقيمون ومغتربون وأجانب؟.
ينتهي الخبراء المعنيون إلى القول «إنّ هذا القانون يحمي الأطراف الاربعة، الدولة، المركزي، المصارف، والمودع. وهؤلاء في حال انخرطوا في الإطار المالي التصحيحي بغطاء السلطة التشريعية والتنفيذية، يساهمون جميعاً في عملية إنقاذ البلد. كذلك ينقذون أنفسهم ويلتحقون بمرحلة بناء لبنان الجديد. ومن يريد الإمعان في الممارسات السابقة، فإنّه يدين نفسه ويضع نفسه خارج السياق. ولا ننسى أنّ البلد تحت المجهر، وأنّ زمن الهبات والشيكات على بياض قد ولّى».
في الختام، هذا القانون، وفي حال سلك طريقه إلى الإقرار، فهو، بتأكيد واضعيه، لا يمنع المحاسبة على ما ارتُكب من أخطاء وسياسات استمرت لعقود، انما هذه المحاسبة تأتي بالتوازي من خلال إجراءات وقوانين تكون مكمّلة لقانون يرتكز إلى الاصلاح المالي.
هو جزء من كل. لا يمكن لمسيرة الإصلاح وإعادة بناء الاقتصاد والانتظام المالي والسير بالبلد إلى مكان أفضل أن تنطلق إذا لم يُتخذ القرار لمرّة واحدة بمواجهة الأخطاء وما ارتُكب وتحمّل المسؤولية.