كتب كمال ذبيان في “الديار”:
لقاء بكين الثاني الذي جمع 14 فصيلا فلسطينيا قبل ايام، وقعوا على وثيقة الوحدة الوطنية الفلسطينية، ليس الاول فقد فسبقه لقاء قبل اكثر من شهر بين حركتي “فتح” و “حماس” في العاصمة الصينية، وهو السادس بين الحركتين منذ سنوات، وقد تدخلت دول لعقد مصالحة بينهما تنكعس ايجابا على المسألة الفلسطينية، التي تواجه حرب وجود مع الكيان الصهيوني الذي سد الطريق امام “حلول سلمية” لجأت اليها انظمة عربية ومنظمة التحرير الفلسطينية. لكن “الكنيست الاسرائيلي” اقر قانون يهودية الدولة، ومؤخرا رفض الدولة الفلسطينية وشرع ضم الجولان السوري المحتل، ورفض التنازل عن الضفة الغربية التي هي من “ارض اسرائيل” وتسمى “يهوذا والسامرة” في التوراة، ورفض رئيس حكومة العدو الاسرائيلي بنيامين نتانياهو امام الكونغرس الاميركي وجود فلسطين من البحر الى النهر، واكد على احتلال غزة والتعاون مع عملاء فلسطينيين لادارة القطاع.
هذه المواقف “الاسرائيلية” التي يعبر عنها نتيانياهو وغيره، والحرب التدميرية المستمرة على غزة، حتمت ان ترعى الصين مصالحة فلسطينية للبحث في اليوم التالي لوقف الحرب، وماذا سيكون عليه الوضع الفلسطيني الذي يوجد انقسام حوله، بين مَن راهن على التسوية السلمية ومَن اكد على ان فلسطين من البحر الى النهر لا تستعاد الا بالمقاومة، التي اكدت صحة ممارستها في تجربتين تحققتا في لبنان، بتحرير ارضه في 25 ايار 2000 وتفكيك 21 مستوطنة فيها، حيث تمكنت كل من المقاومة في لبنان وغزة والضفة الغربية ان تغير في معادلة الصراع الوجودي مع الكيان الصهيوني.
من هنا، فان لقاء بكين وقبله لقاء موسكو في نهاية شباط الماضي ، الذي توصل الى اعلان بين 14 فصيلا فلسطينيا ايضا، لا يختلف عن اعلان بكين الذي اعتبر خطوة ايجابية على طريق تحقيق الوحدة الفلسطينية، وقيام حكومة توافق وطني على كل من الضفة الغربية والقدس وغزة، واعادة اعمار القطاع بعد وقف الحرب، والتي تؤدي الصين دورا في انهائها على حل الدولتين، الذي جاء اعلان بكين مطابقا له، بالرغم من تحفظ فصائل وقعت عليه حول رفض الاعتراف بـ “اسرائيل” التي تضمنتها بعض البنود كما ذكرت حركة “الجهاد الاسلامي”، او اسقاط حق العودة للشعب الفلسطيني كما ورد في القرار 194 والذي اغفله اعلان بكين كما اعلنت الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين.
وصدور “اعلان بكين” وضع الصين على طريق “الحرير السياسي” في المنطقة بعد الاقتصادي، ولم تعد اميركا تحتكر حل موضوع الصراع العربي – “الاسرائيلي” والفلسطيني – “الاسرائيلي”، ودخل آخرون من اقطاب دوليين على هذه العملية، بعد ان اظهرت واشنطن نفسها انها كوسيط غير نزيه او راع على مسافة واحدة من طرفي الصراع، فلم تلزم العدو الاسرائيلي بتطبيق الاتفاقات، لا سيما “اوسلو” منها، وتذهب الى الحل النهائي بعد اعادة الضفة الغربية وغزة الى السلطة الفلسطينية، كما لم توقف بناء المستوطنات وقضم الاراضي الفلسطينية، لا بل ان الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب والمرشح للرئاسة، اعلن عن “صفقة القرن” بالاعتراف النهائي بالقدس عاصمة ابدية “لاسرائيل”، وضم الجولان وقيام “اتفاق ابراهام” الذي يجمع احفاد ابراهيم على السماء، ويقيمون السلام فيما بينهم على الارض التي هي “لاسرائيل”، وهو ما ذكر به نتانياهو في خطابه امام الكونغرس الاميركي، واعتبره الحل الذي وافقت عليه دول عربية وتؤيده “اسرائيل”.
ان الدخول الصيني على خط المصالحة الفلسطينة ، يساعد على حل تراه بكين كما قال وزير الخارجية واينغ يي، الذي ستعمل بلاده على وضع الاعلان موقع التطبيق ، على عكس ما كان يحصل في اتفاقات سابقة بين “حماس” و “فتح”، او بين الفصائل الفلسطينية مجتمعة، وهي ستتعاون مع دول سبق لها وساهمت في موضوع التقارب الفلسطيني – الفلسطيني، كروسيا والجزائر ومصر وفق مصدر ديبلوماسي صيني في بيروت، الذي اكد على ان دولته تتوخى من هذا الاعلان الاستقرار في المنطقة، من خلال وقف الحرب في غزة وتشكيل حكومة وفاق وطني فلسطينية، ومنح فلسطين العضوية الكاملة في الامم المتحدة التي رحب امينها العام انطونيو غونتيرس “باعلان بكين” الذي رفضته “اسرائيل”، لان “حماس” ركن اساسي فيه وهي التي تخوض عدوانها لانهاء وجودها، وهو هدف لم يتحقق، وجاء الاعلان ليؤكد على انها شريحة من الشعب الفلسطيني التي حصلت على اصواته في انتخابات سابقة للمجلس التشريعي ونالت اغلبية.
فالكرة الآن في ملعب الفصائل الـ 14 التي وقعت على الاعلان واعتبرته “حماس” الحل الوطني الافضل، وفق مصدر قيادي فيها، وهو الانسب للوضع الفلسطيني بعد الحرب في غزة، وهو ما يشاركها في هذا التفاؤل نائب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني والقيادي في “الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين” علي فيصل الذي اكد لـ “الديار” ان الظروف التي انتجت الاعلان تحتم التفاؤل بامكان تطبيقه، وهذه مسؤولية على كل من وقع عليه، والذي لقي دعما من كل الدول الكبرى والفاعلة، وعلى الاطراف او الاطار القيادي لهذا الاعلان الدعوة الى اجتماع او لقاء طارىء ووضع بنوده موضع التنفيذ، واول عمل يكون بتشكيل حكومة توافق وطني من كفاءات تمارس سلطتها على الضفة الغربية وغزة والقدس، وتنهي الانقسام الفلسطيني القائم منذ نحو 17 سنة.
وللرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) الدور الاساسي في ان يبدأ بتنفيذ مخرجات اعلان بكين، اذ سبق له ولم يلتزم باتفاق موسكو، وشكل حكومة فلسطينية من طرف واحد، وهو ما استنكرته فصائل فلسطينية، اضافة الى انه سبق له وعطل الانتخابات التشريعية قبل عملية طوفان الاقصى، متذرعا بانها لن تحصل في القدس، وان السلطات “الاسرائيلية” لا توافق على اجرائها. وهذا التوجه نابع من “خطاب التخوين والكراهية” بين “حماس” و”فتح”، والذي يتعمق داخل الشعب الفلسطيني الذي يجب ان يكون موحدا بوجه حرب الابادة عليه، وهو ما ورد في “اعلان بكين” الذي تقع مسؤولية بدء تنفيذه على الرئيس الفلسطيني، بفتح باب دخول “حماس” و “الجهاد” الى منظمة التحرير، وتشكيل حكومة وفاق، وتفعيل عمل لجنة الانتخاب المركزية، للدعوة الى انتخابات والتفكير باعادة الاعمار.