تُقفل وزارة الخارجية أبوابها اليوم بعد إعلان السفراء ورؤساء الوحدات، بالتنسيق مع كل الديبلوماسيين في الوزارة، الإضراب المفتوح بعد امتناع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن طرح ملف التشكيلات الديبلوماسية المتفق عليه مسبقاً في جلسة الحكومة الأخيرة. وهذه ليست المرة الأولى التي يتفق فيها وزير الخارجية عبدالله بو حبيب على التشكيلات مع ميقاتي ويعد الأخير بإدراجها على جدول أعمال الجلسة، ليسحبه في اللحظات الأخيرة ويطلب إدخال تعديلات جوهرية عليه، ما يشير إلى أن رئيس الحكومة ليس في وارد طرح الملف، متلاعباً بمصير سفراء قابعين في الخارجية منذ 5 سنوات خلافاً للقانون الذي ينص على عدم بقائهم في الإدارة المركزية أكثر من عامين، ورغم أن تشكيلهم إلى الخارج حقّ لهم وليس منّة من ميقاتي أو من أي طرف سياسي.
وعلمت «الأخبار» أن الإضراب ستليه قريباً تحركات مماثلة لديبلوماسيين في سفارات لبنان في الخارج لعدم تقاضيهم رواتبهم منذ شهرين بعد وقف مصرف لبنان تحويلها إليهم. وقد قدم بعض الملحقين الاقتصاديين بالفعل استقالاتهم، وآخرهم الملحق المعيّن في الصين جوزيف طنوس أمس. ويرجح أن تتوالى الاستقالات في حال عدم معالجة المشكلة.
إضراب السفراء ورؤساء الوحدات وامتناعهم عن مزاولة عملهم في الإدارة سيقود حتماً إلى شلّ الخارجية، ويهدّد بتعطيل اقتراع المغتربين في الانتخابات النيابية المقبلة.
وبحسب المصادر، فإن وزير الخارجية في صدد اتخاذ خطوات حاسمة قد تصل إلى حدّ الاستقالة في حال استمرار رئيس الحكومة في عرقلة الملف، في ظل اتهامات للأخير بأنه يتعمّد إرجاء التشكيلات، «وكأن المطلوب الدفع باتجاه الإضراب والاعتصام وعدم مزاولة الديبلوماسيين في لبنان والخارج لعملهم تمهيداً لإقفال السفارات في الخارج ووقف عمل الإدارة في الداخل. وهذا سيؤدي تلقائياً إلى إلغاء الانتخابات في دول الاغتراب التي يفترض أن تجرى في السادس والثامن من أيار المقبل».
ومعلوم أن ملف التشكيلات الديبلوماسية لا يستند إلى الحقوق والمعايير المهنية والقانونية لتعيين كل ديبلوماسي في المكان المناسب، بل ملف سياسي بامتياز، يدفع ثمن التلاعب به الديبلوماسيون. فمنذ اليوم الأول لطرح إجراء تشكيلات، فُتح البازار السياسي على مصراعيه. إذ يفضّل ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري إرجاءها إلى ما بعد انتهاء عهد الرئيس ميشال عون حتى لا يمنحاه هذا «الامتياز»، خصوصاً أنهما أنجزا الاتفاق على التعيينات في شواغر الطائفة الشيعية والسنية، لكنهما يرفضان سعي رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل إلى تسمية ديبلوماسيي الطائفة المسيحية. وثمة من يضع هذا الأمر في إطار رفع السقف لفرض شروط إضافية فيما يربطها آخرون بتنفيذ أجندة لتطيير الانتخابات.
مصادر مقربة من ميقاتي أكدت أنه تم التوافق مع الثنائي الشيعي على الأسماء، وأن العقدة تكمن في «رغبة باسيل في الاستحواذ على كل التعيينات المسيحية. لذلك، وفي معرض إيجاد حلّ، عاد رئيس الحكومة إلى الاقتراح الأول وهو ترك القديم في مكانه، على أن يطاول التغيير الديبلوماسيين الذين تخطوا العشر سنوات في الخارج. وهو ما رفضه باسيل مصرّاً على إجراء التشكيلات الموسعة كاملة». في المقابل، تنفي مصادر التيار «أكاذيب» ميقاتي، مشيرة إلى أنه «لو حصلت التشكيلات اليوم أو بعد سنة أو 10 سنوات، فإن نحو 90% من التشكيلات ستبقى كما هي وسيتم تعيين السفراء ذاتهم في الأماكن نفسها».
مصادر متابعة للملف تشير إلى أن هناك متضررين من إجراء التشكيلات يضغطون ويعملون لتأجيلها: أولهم رئيس الحكومة الذي يحاول الحصول على حصة إضافية ولا يريد تجيير أي إنجاز للتيار ورئيس الجمهورية قبيل الانتخابات. ثانيهم، مستشار ميقاتي السفير السابق بطرس عساكر الذي يفضل تأجيلها إلى ما بعد تشكيل حكومة جديدة ليحفظ مكاناً لزوجته وزيرة الدولة نجلا رياشي. ثالثهم، أمين عام وزارة الخارجية هاني شميطلي الذي يطمح إلى تعيينه في سفارة نيويورك ويدرك جيداً أن المنصب اليوم سيكون من حصة سفير ألمانيا مصطفى أديب، لذلك يسعى إلى تأخير بت الملف ريثما يكمل أديب سنواته العشر في الخارج. علماً أن ميقاتي كان قد طالب بإقالة شميطلي عقب افتعاله مشكلة مع وزيرة الخارجية السابقة زينة عدرا التي ادّعت عليه، إضافة إلى دعاوى مقامة ضده من عدة سفراء. استثمرها الأمين العام طائفياً مشيعاً بأن هناك خطة لإقصائه عن الموقع السني الأول في إدارة الخارجية، رغم أن أي بديل له سيكون من الطائفة نفسها.