الاخبار الرئيسيةالصحافة اليوممقالات

إسرائيل تحتفظ بمجموعة “مسامير جحا”… كيف ولماذا؟

إسرائيل تحتفظ بمجموعة "مسامير جحا"... كيف ولماذا؟

كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:

لم تُفاجأ المراجع العسكرية والأمنية ومعها المرتبطة بلجنة المراقبة والإشراف، بإضافة قوات الاحتلال مركزاً جديداً لها في بلدة مركبا الحدودية داخل الأراضي اللبنانية. وقد سبق لها أن أضافت مركزَين جديدَين ما بين المراكز الخمسة التي احتفظت بها. إلّا أنّ ما كان مستغرباً قولها إنّها بقِيَت في هذه المراكز «حفاظاً على أمن مستوطنيها» على رغم من أهمّيتها «الصفرية» بالمنطقَين العسكري واللوجستي، ولا تعدو كونها مجموعة «مسامير جحا»، لتوحي لمواطنيها بـ «أمن مزعوم». ولهذا التفسير هذه القراءة.

على وقع الإحصاء النهائي الذي أجرته عائلات قرية مركبا الموجودة على الخط الأمامي الذي انتهى إلى وجود 48 شهيداً وتدمير 75% من مبانيها، عدا عن الأضرار الجسيمة في البنى التحتية والمنشآت الحيَوية العامة، فوجئ الأهالي العائدون إلى منطقة غير قابلة للعيش، بمركز عسكري لقوات الاحتلال ما زال قائماً على أراضيها، وفي بقعة تتشاطرها البلدة مع موقع عسكري من ضمن الأراضي الفلسطينية المحتلة. وهو ما يمكن اعتباره احتلالاً لموقع ثامن، بعدما تبيّن أنّ تل أبيب احتفظت بمركزَين إضافيَّين يوفّران التواصل مع مركزَين أساسيَّين لها احتُسِبا من ضمن المراكز الخمسة التي أصرّت على البقاء فيها بعد 18 شباط الذي كان يُشكّل الموعد المحدّد لانسحاب كامل من الأراضي اللبنانية، أحدهما في القطاع الأوسط وآخر في القطاع الشرقي.

ولا تقف الأمور عند هذه العقدة، بحسب مراجع عسكرية وأمنية مطلعة تعرف المنطقة، والأهمية الاستراتيجية للمواقع المحتلة بفعل وجودها في مناطق حساسة تُشرف على المستوطنات عندما كانت الحروب تُخاض بـ«الناضور»، وتعطي الأهمية القصوى لتلال مشرفة على مناطق العدو ومعابر يمكن أن تسمح بالتخفي للمراقبة أو للتسلّل إلى أراضيها. وليس في مثل الأيام الحالية التي يمكن الاستغناء فيها عن حاسة النظر والاتكال على ما توفّره المناطيد والطائرات المسيّرة وشبكات التنصّت على الهواتف الأرضية منها والخلوية، وتَقصّي أثر حامليها أينما وُجدوا، عدا عن القدرة على ملاحقة البصمة الصوتية ورصدها والقدرة على تتبُّع الوجوه إن استُخدِمت هذه المعطيات في برامج الذكاء الاصطناعي المتطوّر.

وعليه، فقد أجمعت المراجع العسكرية اللبنانية والأممية على «سخافة» و«هزال» التبرير الذي قدّمته إسرائيل لاحتفاظها بالتلال اللبنانية المحتلة، وردّ مخالفتها لما قال به برنامج الانسحابات من الأراضي اللبنانية المحتلة وفق تفاهم 27 تشرين الثاني 2024 من أجل مراقبة أراضيها وحماية سكانها من أي عملية غادرة كتلك التي فاجأتها في عملية «طوفان الأقصى». ولذلك، رأت فيها «حجة باطلة» لا يُمكن تفسيرها سوى أنّها لإبراز قدرتها في التفوّق على فرض شروطها على لبنان في كل ما تريده من خطوات، وخصوصاً أنّه تبيّن لها أنّها تتسبّب بردات فعل داخلية لبنانية يمكن أن تُوحي بالحديث المتجدّد عن «مقاومة الاحتلال» وتبرير تمسّك «حزب الله» بسلاحه ولو إلى حين، على رغم من معرفتها بعدم حصول هذه المقاومة الشعبية أو الحزبية في القرى الحدودية تحديداً وفي منطقة جنوب الليطاني عموماً، بعدما أقرّ الجميع بأنّ المنطقة باتت في عهدة الجيش اللبناني والمؤسسات العسكرية الشرعية على أنواعها المختلفة وصولاً إلى شرطة البلدية بالتنسيق والتعاون مع قوات «اليونيفيل».

وإلى هذه المعطيات البديهية، اعتبرت مراجع رسمية لبنانية مطلعة معنية بالتحضيرات للقيام بحملة ديبلوماسية لتوفير الانسحاب الشامل والكامل من المواقع المحتلة، وخصوصاً أنّها رفعت من عدد النقاط المحتلة المتنازع عليها من 13 نقطة كانت موضوع تشاور ومفاوضات شاقة قبل حرب «الإلهاء والإسناد» إلى 21 نقطة مثيلة لها، إن لم تنسحب منها قبل استئناف المفاوضات لتسوية الخلافات وتثبيت الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة والاستغناء عن الخط الأزرق الذي رسمته قوات «اليونيفيل» موقتاً للدلالة إلى حدود الانسحاب الإسرائيلي في 25 أيار عام 2000، بعد 22 عاماً على صدور القرار 425 عام 1978.

وبناءً على ما تقدّم، فقد لفتت مراجع ديبلوماسية وسياسية إلى أنّ للمخالفات الإسرائيلية أبعاداً أخرى لا قيمة عسكرية أو استراتيجية لها على الإطلاق، بمقدار ما أرادت منها التلاعب بالساحة اللبنانية في ظل اعتبارها أنّ «حزب الله» هُزِم، وصولاً إلى السقوط المدوّي للنظام السوري الذي كان يُمثل معبراً إلى ساحات أخرى في اتجاه العراق وصولاً إلى طهران، والذي كان يُشكّل فيه الحزب وأمينه العام السيد حسن نصرالله تحديداً رأس حربة قوية، إعتقد البعض أنّه لا يَلين ولا يَنكسر، سواء كان ذلك عن صواب أو خطأ أو سوء تقدير، لئلّا يُقال إنّها كانت «عملية انتحارية» لو احتسب الحزب القدرات الإسرائيلية الهائلة والخرق الاستخباري الممتد من عمق طهران إلى سوريا ولبنان وصولاً إلى آخر أزقة بيروت وضاحيتها الجنوبية والجنوب والبقاع، وقد انتهت فصولها بكل بساطة.

وفي المختصر المفيد، تُضيف المراجع عينها، أنّ ما قامت به إسرائيل أخيراً من عمليات قنص جوية استهدفت قيادياً في «حزب الله» في أعالي قضاء جزين بعد رصده أثناء التظاهر على طريق المطار قبل ليلة واحدة وصولاً إلى أحد مطاعم جزين صباح اليوم التالي، قبل ساعات قليلة على اغتياله على طريق جرجوع، وقيادياً آخر من حركة «حماس» على طريق الجنوب وصولاً إلى قصف قوافل نقل السلاح المتنقل بين الأراضي السورية واللبنانية على الحدود الشمالية للبنان، لم يكن لبقائه في التلال الجنوبية أي أهمية تسهّل ما أقدمت عليه بطريقة مضمونة. فقالت، ومعها الولايات المتحدة الأميركية، إنّ على لبنان القيام بمهمّة ضبط حدوده ومرافقه البرية والبحرية والجوية وجمع الأسلحة وتفكيك مصانعها على الأراضي اللبنانية كافة، ولم تُعطِه الوقت الكافي لمثل هذه الخطوات الكبرى التي تحتاج إلى توفير الأجواء التي تتيح التوافق اللبناني على مثل هذه الخطوة الكبيرة لمجرّد التفاهم على اللجوء إلى الوسائل الديبلوماسية لتأمين تحرير بقية الأراضي، وقد وضعت اللبنة الأولى لهذا الخيار قبل أيام في اللقاء الرئاسي الثلاثي الأخير في قصر بعبدا وترجمه بيان مشترك لقيادتَي حركة «أمل» و«حزب الله» في الجنوب بعده بيومَين.

وأكّدت هذه المراجع، أنّ على الأميركيّين وحلفائهم من رعاة التفاهم الأخير الذي أنهى الحرب، إعطاء لبنان الرسمي الوقت الكافي لترتيب الأمور الداخلية بدلاً من اللجوء إلى كل ما يُنعِش الساعين وراء الاحتفاظ بسلاحهم ولو لعقدَين أو ثلاثة من الزمن، لإعادة خوض المواجهة العسكرية مع العدو الإسرائيلي، وخصوصاً أنّ الحالمين بمثل هذه المواجهة لم يحتسبوا بعد المتغيّرات التي قلبت وجه المنطقة رأساً على عقب، وقد آنَ أوان استيعاب هذه المتغيّرات والنفاذ بحياد لبنان وإخراجه من دائرة الزلازل التي لم تنتهِ بعد، والسعي إلى بناء الدولة بالحدّ الأدنى الذي يضمَن بقاءه على خريطة المنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى