كتبت جريدة “الأخبار”:
وسط ارتفاع احتمالات انفلات التصعيد على الجبهة الشمالية للكيان الإسرائيلي، ووصولها إلى ما يمكن وصفه بحافّة «الحرب الشاملة»، تسير العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، وتحديداً في جنوبه، ببطءٍ ومن دون إنجازات تُذكر. ويرتبط مسار تلك العملية ارتباطاً مباشراً بأي سيناريوات تصعيدية شمالاً، مع «حزب الله»، إذ سيكون جيش الاحتلال مضطراً لإنهاء عملية رفح، قبل التوجّه إلى أي معركة بمستوى أعلى مما هو جارٍ الآن، عند الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة.وفي المقابل، وبناءً على الحملة الترويجية التي قادها رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، وبقية المسؤولين في الكيان، عن أنه لا يمكن تحقيق «الانتصار الكامل» على «حماس»، إلا من خلال الهجوم على رفح، فهذا يعني أن إنهاء المعركة في جنوب القطاع، سيكون فعلياً بمثابة إنهاء للحرب، بشكلها الحالي المكثّف على الأقلّ. وعند ذاك، سيجد قادة العدو أنفسهم، إذا لم تكن على الطاولة صفقة تبادل أسرى مع المقاومة الفلسطينية تُفضي الى إنهاء الحرب بشكل كامل ونهائي، أمام تحدّيات كبرى تتعلّق بالجبهة الشمالية أولاً، حيث لن يحل الهدوء من دون اتفاق في غزة، فضلاً عن تحديات «اليوم التالي» في القطاع، على مستوى الإدارة المدنية، وإدخال المساعدات، والتعاون مع منظمات الأمم المتحدة، وغير ذلك مما يقتضيه تراجع القتال إلى درجات دُنيا، ولو من دون اتفاق يُنهيه تماماً.
وفي ظلّ ذلك، تقفز إلى الواجهة، بشكل أوضح يوماً بعد آخر، الخلافات المحتدمة بين المستويين الأمني والسياسي في تل أبيب، إذ بعد مواقف وزير الأمن، يوآف غالانت، خلال الأشهر السابقة، حول رؤيته لمسار الحرب في غزة، وضرورة عدم احتلال القطاع، وضمان إنهاء المعركة فيه، وإقامة حكم مدني هناك بدعم دولي وإقليمي، خرج المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، ليعلن بوضوح أن «الاعتقاد بأن بالإمكان تدمير حركة حماس، وإخفاءها، هو ذرٌّ للرماد في عيون الإسرائيليين». وأضاف هاغاري، في مقابلة مع «القناة الـ13» الإسرائيلية، أن «حماس فكرة لا يمكن القضاء عليها، فالإخوان المسلمون موجودون في المنطقة». وفي رسالة واضحة إلى المستوى السياسي وإلى الجمهور على السواء، قال هاغاري: «نحن ندفع ثمناً باهظاً في الحرب، لكننا لا يمكن أن نبقى صامتين»، مضيفاً: «نقوم بكل ما نستطيع القيام به». وأشار إلى أن الجيش يعمل على مدار الساعة لإعادة الأسرى أحياء، مستدركاً بأنه «لا يمكن إعادة كل المحتجزين بالوسائل العسكرية». وبالنسبة إلى العملية العسكرية في رفح، قال هاغاري إن الجيش يقترب من القضاء على «كتيبة رفح»، التابعة لـ«كتائب القسام»، مردفاً: «سنشرح للمستوى السياسي، ثم للجمهور، الإنجازات العسكرية التي تحقّقت».
استفزّت تصريحات هاغاري رأس المستوى السياسي، نتنياهو
وسرعان ما استفزّت تصريحات هاغاري رأس المستوى السياسي، نتنياهو، الذي خرج مكتبه ببيان قال فيه إن «مجلس الوزراء الأمني المصغّر حدّد تدمير قدرات حماس العسكرية والحكومية ضمن أهداف الحرب، وجيش الدفاع ملتزم بذلك»، ليسارع بعده، وزير الاتصالات، شلومو كرعي، إلى مهاجمة مسؤولي المستوى الأمني، معتبراً أن «تصريحات هاغاري ليست سوى إشارة إلى الروح القيادية المتراخية والضعيفة لرئيس الأركان هرتسي هاليفي، ووزير الدفاع يوآف غالانت». ورأى كرعي أنه «يجب على المتحدث باسم الجيش أن يركّز على تقوية ودعم مقاتلينا»، مضيفاً أنه «إذا كان غالانت وهاليفي غير قادريْن على الانتصار، فليذهبا ولا يكونا سبب خسارتنا».
ولا تنحصر مشاكل نتنياهو في الخلاف مع المستوى الأمني والعسكري، ومع حلفائه في الائتلاف، وحتى خصومه في المعارضة، بل هي تمتدّ وتتعمّق أكثر مع الإدارة الأميركية الحالية. وفي هذا السياق، نقل موقع «أكسيوس»، عن مسؤولين أميركيين، أمس، أن «البيت الأبيض» ألغى اجتماعاً أميركياً إسرائيلياً رفيع المستوى بشأن إيران وحزب الله وجبهة الشمال، كان من المقرّر عقده اليوم الخميس، إثر نشر نتنياهو – أول من أمس – مقطع فيديو يشير فيه إلى أن الولايات المتحدة تحجب المساعدات العسكرية عن إسرائيل. وبحسب الموقع الأميركي، فإن المبعوث الأميركي، عاموس هوكشتين، سلّم نتنياهو شخصياً، بعد ساعات من نشر الفيديو، رسالة تعبّر عن غضب الإدارة الأميركية، وأخبره بأن الاتهامات الواردة في الفيديو «غير دقيقة»، قبل أن يقرّر «البيت الأبيض» الذهاب أبعد من ذلك، عبر إلغاء «اجتماع الحوار الاستراتيجي». وكشف الموقع نفسه، في تقرير منفصل، نقلاً عن مسؤولين أميركيين، أن «اجتماع نتنياهو وهوكشتين، كان سيئاً». كما أشار إلى أن «فريق بايدن كان غاضباً ومصدوماً من نتنياهو، ومسؤولون قالوا إنه غير متّزن».
وفي السياق نفسه، نقلت مجلة «بوليتيكو» عن مسؤولين أميركيين، إشارتهم إلى «شكوك داخل إدارة بايدن في إمكانية توصّل إسرائيل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار وفق المقترح الحالي». وعبّر مسؤول أميركي للمجلة، عن اعتقاده بأن «الوضع سيستمرّ على حاله في غزة حتى نهاية العام الجاري على الأقل»، مشيراً إلى أن «إسرائيل وحماس توافقان على شروط المرحلة الأولى من مقترح الصفقة، والخلاف هو بشأن إنهاء الحرب».