كتب يحيى دبوق في “الأخبار”:
حرّك مقتل 6 من الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة، قبل أن تصل إليهم قوات العدو، الساحة الداخلية في الكيان، ودفع إلى حملة واسعة من التضامن مع عائلات الأسرى، وتلبية دعوات التظاهر، واحتلال الشوارع والساحات، وتعطيل الأنشطة الاقتصادية والحياتية، بهدف الضغط على حكومة بنيامين نتنياهو للمضي قُدماً في صفقة تبادل أسرى، وإن كان الثمن «وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب على غزة». ويُعدّ هذا الحراك غير مسبوق في إسرائيل منذ أن بدأت الحرب، خاصة أن «الاتحاد العمالي العام» (الهستدروت) انضمّ إلى الدعوة، وأعلن الإضراب العام وتعطيل الاقتصاد، بما يشمل إغلاق مطار بن غوريون في اللدّ، بينما تداعى «منتدى الأعمال الإسرائيلي»، الذي يضمّ 200 من الشخصيات التي تمسك بالاقتصاد الإسرائيلي، إلى الإعراب عن تضامنه، وأكّدت بلديات مدن وازنة مثل تل أبيب وغفعتايم وكفارسابا وغيرها، تلبية الدعوة وتكثيف التحرّكات الداخلية والاحتجاجات، إلى أن تمتثل الحكومة لمطلب إعادة الأسرى بلا إبطاء، ضمن صفقة تبادل مع حركة «حماس»، ولو مقابل تلبية كل طلبات الحركة وشروطها.
وسارع وزير الأمن، يوآف غالانت، بدوره، إلى التماهي مع الدعوة إلى الاحتجاجات، وطالب المجلس الوزاري المصغّر بـ»ضرورة المسارعة إلى الانعقاد والتراجع عن قرار الإبقاء على الجيش الإسرائيلي في محور فيلادلفيا»، والذي يُعدّ واحداً من أهم الشروط التي تمنع الاتفاق على صفقة تبادل أسرى، مشيراً إلى أنه قد «فات الأوان بالنسبة إلى الرهائن الذين قُتلوا بدم بارد (…) يجب أن نعيد المخطوفين الذين بقوا في أسر حماس إلى الوطن».على أن الأهمّ من التحرّك وحجمه وتداعياته المباشرة وردود الفعل الواسعة التي تماشت معه، أنه لم يأتِ على خلفية التضامن مع عائلات أسرى قُتلوا في غزة فحسب، وهو ما كان يحدث على «استحياء» في السابق، مع التشديد على ضرورة مواصلة الحرب، بل يأتي هذه المرة على خلفية احتجاجية ضدّ الحكومة، وتحميلها مسؤولية مقتل الإسرائيليين الستة وغيرهم ممن سبق أن أُعلن مقتلهم، مع التأكيد على أن السبب الذي منع بلورة اتفاق تبادل أسرى يعيد هؤلاء وغيرهم أحياء، هو المصالح الشخصية الضيّقة للمسؤولين في الحكومة. ووفقاً لدعوة التظاهر التي صدرت عن الهيئة التي تمثّل عائلات الأسرى، فإن الهدف من الاحتجاج، هو «منع استمرار تخلّي مجلس الوزراء عن المخطوفين، (وهو المجلس) الذي فقد مساره الأخلاقي والمعنوي تماماً، ويُفضّل المصالح السياسية على إنقاذ حياة المخطوفين».
يعِد قادة الاحتجاجات بأن الأخيرة لن تهدأ إلى أن تتبلور صفقة تبادل أسرى
ويعزّز تضامن الساحة الداخلية، غير المسبوق، من فرص المعارضين لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الذي أحبط إلى الآن كل جهودهم الرامية إلى إنهاء الحرب بعد أن استنفدت نفسها تماماً، وباتت تشكّل خطراً على المصالح الإسرائيلية. والجدير ذكره، هنا، أن «كارثة» تشرين الأول الماضي، منعت حتى الآن كل من يطالب بوقف الحرب، ومن ضمنهم قادة الجيش والمؤسّسات الأمنية على اختلافها ووزير الأمن وغيرهم ممن تُلقى عليهم مسؤولية ما حصل في 7 أكتوبر، من التصريح علناً بضرورة إنهائها، وهو ما كان يدفعهم إلى تغليف دعوة وقف القتال بمطلب استعادة الأسرى، وإن بثمن «كبير جداً».
كيفما اتّفق، تبدو الأمور في بدايتها، والاحتجاجات التي يعِد قادتها في إسرائيل بأنها لن تهدأ إلى أن تتبلور صفقة تبادل أسرى، هي «الكود السرّي» المرادف لصفقة «إنهاء الحرب»، لا يمكن أن يُحكم عليها أو يُقدّر المحللون والمراقبون نتيجتها، مهما كانت المعطيات والمقدّمات حاضرة لديهم، إذ إن لدى الطرف الآخر، نتنياهو وشركائه، من الأدوات ما يمكّنهم نظرياً من التصدّي للاحتجاجات، وإن كانت غير مسبوقة، ولم تشهد الأشهر الأخيرة مثيلاً لها، بعدما سعى إليها المعارضون طويلاً، من دون أن ينجحوا في استثارة الإسرائيليين، إلى أن نجحت «الجثث الست» في استثارتهم. فهل يُحدث هذا المتغيّر الداخلي تحوّلاً في الحرب؟