كتب حسن حردان في “البناء”:
من المقرّر ان تُستأنف اليوم المفاوضات حول الصفقة، وسط إعلان حركة حماس، باسم جميع فصائل المقاومة، أنها لن تشارك فيها، من دون موافقة «إسرائيلية» مسبقة بأنّ المفاوضات سيكون هدفها تنفيذ ما وافقت عليه حماس في آخر صيغة أميركية تعهّدت فيها واشنطن باستمرار وقف النار في المرحلة الثانية من الصفقة إذا لم تتوصل المفاوضات إلى اتفاق شامل على وقف الحرب والانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة، بعد انتهاء المرحلة الأولى.. فيما كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية النقاب عن ان إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أعطت في المقابل تعهّداً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بالسماح له بإضافة شروط جديدة على الصيغة التي وافقت عليها حماس في 2 تموز، ما يعني انّ نتنياهو يصرّ على مواصلة عرقلة ايّ اتفاق لا يضمن له تحقيق ما يريده من تبادل جديد للأسرى من دون أن يرتبط ذلك بأيّ التزام من قبله بوقف دائم لإطلاق النار.. والانسحاب من قطاع غزة…
في المقابل تسعى إدارة بايدن لأجل ان تحقق هدفها من توقيت استئناف المفاوضات وهو إشاعة أجواء كاذبة عن إمكانية الاتفاق على تنفيذ الصفقة، كي يتمّ خداع محور المقاومة بتأجيل الردّ وصولاً إلى منع حصوله عبر استمرار المفاوضات من دون أن تصل إلى نتيجة، بسبب شروط نتنياهو التعجيزية..
من هنا فإنّ المناورة الأميركية الخادعة من الضغط لاستئناف المفاوضات باتت مكشوفة الأهداف، وغايتها الأساسية تجنيب «إسرائيل» ردّ محور المقاومة، وفي ذات الوقت، محاولة دفع حماس لتقديم تنازلات جديدة تسمح لـ «إسرائيل» تحقيق هدفها باستعادة بعض الأسرى مقابل هدنة مدتها ستة أسابيع، ومن ثم تستأنف الحرب بغطاء ودعم أميركي كامل، عسكري وسياسي ودبلوماسي.
ولا تكتفي واشنطن بالتحرك عبر المفاوضات، بل سارعت إلى العمل على خطين آخرين لتحقيق هدفها:
الخط الأول، تزخيم الاتصالات عبر الدول الغربية وإرسال الموفدين الأميركيين إلى المنطقة، لتقديم الإغراءات إلى إيران وحزب الله للامتناع عن الردّ، او ان يكون الردّ شكلياً وغير مؤلم لـ «إسرائيل»…
الخط الثاني، حشد الأساطيل الحربية الأميركية في المنطقة، من حاملات طائرات وسفن وبوارج ومدمرات وغواصات، في أكبر استعراض للقوة وإرفاق ذلك بإعلان أميركي مع عواصم غربية في حلف الناتو، بالاستعداد لـ «الدفاع عن إسرائيل» في مواجهة أيّ ردّ من إيران أو من حزب الله أو من اليمن!
وهذا يعني ان إدارة بايدن تحاول أن تضع محور المقاومة بين خيارين:
خيار أول، الامتناع عن الردّ، او ان يكون الردّ محدوداً ولا يلحق الضرر بـ «هيبة إسرائيل وقوّتها الردعية» التي سعت لترميمها عبر العدوان على بيروت وطهران…
وخيار ثان، مواجهة القوة الأميركية واحتمال اندفاع الأمور إلى الحرب الواسعة اذا ما كان الردّ قوياً ومؤلماً لـ «إسرائيل».
وهذا يعني انّ واشنطن قرّرت المجاهرة بدعمها لـ «إسرائيل» سياسياً وعسكرياً لأجل:
1 ـ حماية «إسرائيل» من ردّ محور المقاومة. بما يجهض هدفه بإعادة تكريس معادلة توان الردع ومنع «إسرائيل» من ترميم قوتها الردعية المتاكلة.. واستمرار قوى المقاومة في حرب استنزاف الكيان الصهيوني لإجباره على وقف حرب الإبادة ضد قطاع غزة…
2 ـ وتمكينها من تحقيق أهدافها من مواصلة حرب الإبادة ضدّ الشعب الفلسطيني ومقاومته في قطاع غزة، من دون أن تتوسع الحرب في المنطقة.. وكان هذا التوجه الأميركي من بداية الحرب، وهو توفير الدعم لـ «إسرائيل» للاستفراد بغزة لسحق مقاومتها وفرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني..
لكن هل ستنجح هذا المناورة الأميركية؟
إنّ نجاح واشنطن في تحقيق غاياتها من مناورة استئناف المفاوضات وحشد أساطيلها، وبالتالي أهداف الحرب الإسرائيلية في غزة، وأهداف العدوان الاسرائيلي على بيروت وطهران، وقبلها على الحديدة، إنّ النجاح في ذلك مرهون بقرار محور المقاومة، وطبيعته.. والواضح انّ قرار محور المقاومة قد اتخذ بإحباط الأهداف الإسرائيلية، وإجهاض المناورة الأميركية، من خلال العمل على ثلاثة مسارات:
المسار الأول، ردّ حركة حماس على الدعوة الأميركية لاستئناف المفاوضات، برفض المشاركة، إذا لم تكن على أساس تنفيذ الصيغة التي اتفق عليها أخيراً وهو ما يرفضه نتنياهو، وبالتالي عدم الموافقة على الانخراط بمفاوضات جديدة باتت مكشوفة الأهداف.. ما يعني انّ موقف حماس بعد اغتيال رئيس مكتبها السياسي اسماعيل هنية، لم يضعف، بل أصبح أكثر حزماً وثباتاً وتمكساً بشروط المقاومة لأي صفقة تبادل للأسرى.
المسار الثاني، رفض محور المقاومة مقايضة الرد على العدوان، بأي إغراءات، لأنّ عدم الردّ سوف يُفهم على أنه علامة ضعف، ويمكن «إسرائيل» من إعادة فرض قواعدها والتمادي في عدوانها.. ولهذا فإنّ قرار الردّ حسبما أعلن قادة المحور قد اتخذ ولن يكون شكلياً، بل قوياً ومؤلماً لكنه بحجم ومستوى الجريمة التي ارتكبتها «إسرائيل» في ضاحية بيروت الجنوبية، وفي العاصمة الإيرانية طهران.. بما يحبط أهداف نتنياهو ويجعل أيّ عدوان جديد يقدم عليه مستقبلاً مكلفاً جدا لـ «إسرائيل».. أما التهديد الأميركي بحشد الأساطيل فإنه لا يخيف محور المقاومة، لأنه يدرك مدى مأزق أميركا و»إسرائيل» في حال ارتكبتا حماقة الذهاب إلى الحرب الواسعة..
المسار الثالث، التحرك على كلّ المستويات الدبلوماسية الدولية لتأكيد الحق المشروع في الردّ على العدوان الإسرائيلي باعتباره انتهاكاً للقوانين الدولية واعتداء على سيادة الدول.. وهو حق كفلته هذه القوانين، خصوصاً في ظلّ غياب ايّ تحرك دولي في وضع حدّ العدوانية والعربدة الإسرائيلية، وشلل دور مجلس الأمن الدولي في اتخاذ إجراءات عقابية ضدّ «إسرائيل» بسبب الفيتو الأميركي الذي يحمي «إسرائيل».