أميركا كما السعودية تريد قائد الجيش والمعارضة تطرح أزعور بديلاً: الرئاسة ضائعة بين التناقضات اللبنانية
كتبت جريدة “الأخبار”:
شيء ما يشبه ما حصل عشية جلسة 14 حزيران الشهيرة. الانقسام السياسي حول المرشح لرئاسة الجمهورية عاد إلى المربع نفسه. لم يحصل أي تبدّل في مواقف اللجنة الخماسية العربية والدولية التي تدعم مرشحاً لا يناسب حزب الله وحلفاءَه، فيما لا يقدر فريقها اللبناني جمع الأصوات الكافية لإيصال المرشح الأول وهو قائد الجيش العماد جوزيف عون. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية كما مصر، واصلت خلال الساعات الماضية، وتواصل اليوم، محاولات إقناع الكتل المتردّدة في حسم موقفها لمصلحة عون. وفيما حاول الجانب السعودي منع النقاش حول خطة بديلة، كان الأميركيون أكثر حنكة بأن أبقوا الباب مفتوحاً أمام إسم بديل عن عون، شرط أن لا يكون مرشح الثنائي أمل وحزب الله.
حتى ساعات ليل أمس المتقدّمة، كان هناك ثلاثة مرشحين على الطاولة: أولهم قائد الجيش المدعوم أميركياً وسعودياً، وثانيهم الياس البيسري المدعوم من الثنائي أمل وحزب الله وحلفائهما، وثالثهم جهاد أزعور الذي عادت قوى المعارضة إلى طرح اسمه كبديل في حال فشل مشروع إيصال العماد عون. لكنّ الانقسام الكبير، حال دون تأمين أغلبية كافية من الدورة الأولى، ما يجعل النقاش صعباً حول نتائج الجولات الثانية، ما يفتح الباب مجدداً، أمام احتمال كبير بأن لا تؤدي جلسة الغد إلى نتيجة حاسمة.
وفي سياق الضغط العربي والدولي لانتخاب رئيس يومَ غدٍ الخميس، واعتبار قائد الجيش الشخصية الأكثر تطابقاً مع مواصفات المرحلة المقبلة المطلوبة خارجياً، أتَت زيارة الموفد الأميركي عاموس هوكشتين إلى بيروت التي تلت زيارة الموفد السعودي يزيد بن فرحان، ونقل هوكشتين موقف إدارته المُتماثل مع الموقف السعودي في تأييد عون. لكنه عمّم التأييد على طريقة «سمّى الحيّ وسمّى الجيرة»، متحدّثاً عن رعاية تطبيق القرار 1701 كاملاً، وإعادة تنظيم الحياة السياسية وبناء الدولة وفقَ معايير الشفافية بعيداً من الفساد، كمدخل لأي دعم مالي وتصحيح للعلاقة مع المحيط العربي والمجتمع الدولي، قبلَ أن يعلِن أن عون هو الرجل الذي تنطبق عليه المواصفات المطلوبة دولياً. لكنه حافظ على مسافة بقوله إن المواصفات لا تنطبق على عون حصراً.
ومع أن أسلوب هوكشتين في الكلام مع القوى السياسية كانَ مختلفاً عن تعاطي الموفد السعودي يزيد بن فرحان (الذي أجمع من التقاه أنه ذكّرهم بأيام المسؤول السوري غازي كنعان) إلا أن النتيجة واحدة. فلم يكُن اجتماع هوكشتين مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ودياً، بعدَ أن سأل المسؤول الأميركي عن حظوظ قائد الجيش، لافتاً إلى أن «الخماسية» تعتبره الأقرب إلى المواصفات المطلوبة، فكانَ ردّ برّي بنفس الحدة التي ظهرت في اللقاء مع ابن فرحان مؤكداً أنه «لا يحظى بالتوافق وأن هناك إشكالية في ما يتعلق بالتعديل الدستوري وأن عون ليس هو الشخصية القادرة على صياغة تفاهمات مع القوى السياسية في البلد». وقد سمع هوكشتين من بري أن هناك فريقاً وازناً يدعم وصول المدير العام للأمن العام بالإنابة الياس البيسري، وأن الأخير لا يحتاج إلى تعديل دستوري. وبعدَ اللقاء مع بري، توجّه المبعوث الأميركي إلى السراي الحكومي للقاء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، لكنّ الاجتماع ركّز على «وضع الجنوب ومساعي الاستقرار التي يمكن أن تسقط في أي لحظة في حال استمرت إسرائيل في ممارسة عدوانيتها تجاه لبنان».
في هذا الوقت، تحوّل لبنان إلى أسير للساعات الفاصلة عن موعد الجلسة التي دعا إليها بري عند الساعة الحادية عشرة، مشغولاً بسؤال واحد وهو: هل تكون الجلسة الرقم 13 هي خاتمة 800 يوم من الفراغ؟
الأكيد أن أحداً لا يملك الجواب الحاسم على مصير هذه الجلسة ولا تصوّراً لأي سيناريو، لكنّ هناك تقاطعاً عند نقطة أن «عدم انتخاب رئيس يوم غدٍ الخميس يعني انتقال البلد إلى مستوى جديد من الاشتباك السياسي الداخلي والخارجي»، وذلك لعدة أسباب: أبرزها، أن هذه الجلسة تأتي بعدَ أن كشفت كل القوى الخارجية ورقتها في الملف الرئاسي، وأماطت اللثام عن تناغم أميركي – سعودي لا يُمكن أن تتصدى له لا فرنسا ولا قطر ولا مصر، بعدَ أن أعلنت واشنطن والرياض موقفهما المنحاز إلى قائد الجيش. ويبدو أن هذه الدول تستعجل إنجاز مشروعها في لبنان، انطلاقاً من الانتخابات الرئاسية لتتفرّغ إلى ما يحصل في سوريا وما تفرضه التطورات فيها من تحدّيات. يعني ذلك، أن باقي أعضاء الخماسية، تحديداً باريس التي تُفضّل سمير عساف أو الدوحة التي دعمت اللواء البيسري، لن يكون بمقدورهم العمل بشكل منفرد، إذ علمت «الأخبار» أن الرياض وواشنطن أبلغتا الدوحة عدم خوض معركة أحد، وهو ما دفع القطريين إلى الحديث عن مواصفات «الخماسية» من دون الدخول في أسماء. وفيما يعوّل البعض على زيارة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان الذي وصل مساء أمس إلى بيروت، في إحداث خرق ما بشأن قائد الجيش، أي أن يقنع بري به، قالت مصادر مطّلعة إن «جولة لودريان لا يُعوّل عليها في تغيير شيء».
واستناداً إلى حصيلة اليومين الماضيين، يُمكن الإشارة إلى أن خيار قائد الجيش ما زالت تعترضه الكثير من العقبات، خصوصاً أن موقف «القوات اللبنانية» التي حاولت قيادتها إحاطته بالغموض، ظهر أكثر وضوحاً بإعلان قائدها سمير جعجع أن موقفه من ترشيح عون مرتبط بإعلان دعمه من قبل الثنائي أمل وحزب الله، ما فتح عملياً الباب أمام الحديث عن غياب الغطاء المسيحي الذي يجب أن يؤمّنه «التيار الوطني الحر» أو «القوات» التي رهنت السير به بتوافر غالبية الثلثين له، مروراً بموقف كل من حزب الله وحركة أمل غير المؤيّد، فضلاً عن النواب السنّة الذين لم يُظهروا بغالبيتهم أي حماسة تجاه عون، كما معظم نواب المعارضة الذين تدارسوا أمس فكرة الدعوة إلى اجتماع اليوم وإعلان تمسّكهم بمرشح «التقاطع» جهاد أزعور، علماً أن الأخير كرّر أمام سائليه من النواب أنه لا يريد أن يتم وضعه مجدداً في قلب معركة ومواجهة. لكنّ المعارضة ستضع اسم أزعور ضمن لائحة تجمعه مع قائد الجيش ومع النائب نعمة افرام والأمين العام السابق للمجلس الأعلى للخصخصة زياد حايك، وعلمت «الأخبار» أن المعارضة ستعقد لقاءً في معراب مساء اليوم، على أن يسبقه اجتماع في منزل النائب نبيل بدر للنواب السنّة عند الساعة الخامسة والنصف.
وفي الساعات الماضية، تسرّبت معلومات عن تواصل حصل بين النائب جبران باسيل والحاج وفيق صفا، وبين برّي وباسيل، وأشارت مصادر مطّلعة إلى أن برّي لا يزال يعمل على ورقة اللواء البيسري ويحاول إقناع بعض النواب السنّة به لتأمين أصوات له في الدورة الثانية. فيما أفادت أوساط مطّلعة على اللقاء الذي جمع النائب هاغوب بقرادونيان برئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أن «الحديث تمحور حول ضرورة وصول مرشح توافقي وغير مستفزّ لأي طرف واقتناع كل القوى السياسية من كل الأطياف بذلك. وبالتالي لا مشكلة لدى الطاشناق باعتماد مرشح من هذا النوع وارتياحه للأسماء المطروحة حالياً والتي تُعدّ مقبولة لدى الجميع». فضلاً عن إطلاع باسيل لبقرادونيان حول انفتاحه على كل المرشحين المطروحين باستثناء قائد الجيش وعدم ممانعته السير بأي شخص ذي مشروع مفيد للبنان واللبنانيين.
وفي حال سمّت المعارضة الوزير جهاد أزعور، فسيكون هو المرشح المتقدّم في الدورة الثانية على عكس اللواء البيسري أو الآخرين، لكنه قد لا يضمن عدداً كبيراً من الأصوات، ما يسمح لبري برفع الجلسة فيؤجل الاستحقاق إلى ما بعد دخول دونالد ترامب البيت الأبيض في 20 الجاري، مع ما ينطوي عليه ذلك من مَخاطر تحيط بلبنان في الأسبوعين الفاصلين.
قائد الجيش يحتاج إلى 86 صوتاً في كل الجولات
مع العدّ العكسي لجلسة يوم غدٍ الخميس، بدا محسوماً حتى مساء أمس أن لا رئيس يتقدّم لائحة المرشحين. فقائد الجيش العماد جوزيف عون الذي ظهر في الأيام الأخيرة أنه الأوفر حظاً، سيخرج من السباق في الدورة الأولى لعدم قدرته على نيل 86 صوتاً، وهو ليس من المرشحين الذين تسري عليهم دورة الـ 65 صوتاً لأنه يحتاج إلى تعديل دستوري.
هوكشتين زاد من متاهة السنّة والتغييريين
التقى الموفد الأميركي عاموس هوكشتين مجموعة من النواب من مختلف الكتل النيابية صباح أمس، في حضور السفيرة الأميركية ليزا جونسون. وأكّد هوكشتين أن «الولايات المتحدة الأميركية دولة صديقة للبنان وستبقى من الداعمين له ولجيشه». وتحدّث عن عمل لجنة الإشراف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب، لافتاً إلى أن ما اطّلع عليه في اجتماع اللجنة دلّ على وجود مخازن كبيرة لحزب الله. لكنّه كرّر أن الاتفاق سوف يُنفّذ.
وتطرّق هوكشتين إلى وضع لبنان في ظل المتغيّرات الجارية في المنطقة، وأن لبنان بحاجة إلى تنظيم أموره، وأن هناك فرصة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية يكون قادراً على مواجهة التحديات، ولا سيما تطبيق القرار 1701 الذي لا يقتصر على منطقة جنوب نهر الليطاني، ويكون الرئيس حاصلاً على دعم المجتمعيْن العربي والدولي.
وعندما حاول هوكشتين البقاء في إطار المواصفات، سأله أحد النواب عن الأسماء فحاول التهرب، لكنّ النائب نفسه أشار إلى اسم قائد الجيش العماد جوزيف عون مباشرة. فردّ هوكشتين: «إنّ قائد الجيش لديه مواصفات رئيس الجمهورية، ولكنّ الأمر لا ينطبق عليه حصراً»، ولكنه ركّز على نقاط أخرى «أن اتفاق وقف إطلاق النار يجب أن يُنفذ على كامل الأراضي اللبنانية وليس جنوب الليطاني، وأن جوزيف عون هو شخصية نعرفها جيداً وإذا أيّدتم ترشيحه فسيكون لديه تأييد دولي واسع وقبول، بينما ربط المساعدات للبنان بعملية الإصلاح السياسي». وفيما نصح هوكشتين النواب بضرورة الإسراع في انتخاب رئيس، لأن مرحلة الرئيس دونالد ترامب ستكون «صعبة» كما قال، علمت «الأخبار» أن جزءاً من النواب الذين كانوا حاضرين في منزل النائب فؤاد مخزومي توجّهوا إلى مكتب حزب «تقدّم» في الجميزة حيث دارت نقاشات حول الخيارات الموجودة، معتبرين أنه في ظل عدم وجود توافق داخلي حول عون فإن من «الأفضل عدم التصويت له في جلسة الخميس»، ومن هنا خرجت فكرة ترشيح جهاد أزعور «الذي يحظى أيضاً بدعم سعودي وتأييد أميركي، وفي حال نجح قائد الجيش لاحقاً في إقناع الآخرين حينها نصوّت له»، وهو ما وافقت عليه كتلة «تحالف التغيير» التي تضم النواب مارك ضو، وضاح الصادق وميشال الدويهي.
وفي حين تسلك المعارضة وبعض نواب التغيير مساراً واحداً أكان عبر تبنّي ترشيح عون أو محاولة تأمين توافق واسع على أزعور، لم تحسم كتلة التغييريين المؤلّفة من 6 نواب (بولا يعقوبيان، ملحم خلف، ياسين ياسين، نجاة صليبا، إبراهيم منيمنة وفراس حمدان) موقفها بعد. وتقول يعقوبيان لـ «الأخبار» إنهم «لم يتخلوا عن المرشحين الثلاثة الذين أيّدوهم منذ أكثر من عام وهم صلاح حنين وزياد بارود وناصيف حتّي، إلا أن ذلك لا يعني إغلاقهم الباب على النقاش مع أي طرف أو تلاقيهم مع المعارضة على مرشح إذا ما كان يطابق المواصفات الإصلاحية والسيادية المطلوبة وينال دعماً من الدول العربية والغربية ليتمكن من إنقاذ لبنان ووضعه على سكة الإصلاح وإعادة الإعمار». فيما أشارت مصادر نيابية إلى أن «موقف المبعوث الأميركي والانقسام الداخلي جعلا معظم النواب السنّة يشعرون بالإرباك ولن يكون هناك موقف موحّد بل إن أصواتهم ستُقسم بين المرشحين المطروحين».