كتب ابراهيم الأمين في “الأخبار”:
يبدو أن لا إسرائيل ولا الولايات المتحدة تريدان وقفاً فعلياً للحرب على غزة. والانطباع لدى جهات عربية رفيعة المستوى أن الاتصالات التي جرت في الأيام الأربعة الماضية، تشير إلى وجود توجه لمزيد من الضغط على المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن. وإلى جانب التشاور غير المعلن القائم على قدم وساق بين قيادات أميركية وإسرائيلية وعربية بشأن الحرب في غزة وتفرّعاتها، فإن اللقاءات العلنية لم تعد تخرج عن هذا السياق، خصوصاً أن التقييم الأميركي للرد الذي سلّمته حركتا حماس والجهاد الإسلامي للوسيطين القطري والمصري عكس تبايناً ليس ناجماً عن خلافات بقدر ما يؤكد حقيقة المناورة الكبيرة الجارية منذ مدة غير قصيرة.وبحسب مصدر عربي مشارك في الاتصالات، فإن الأميركيين تحدّثوا صراحة عن أن وقف الحرب بات حاجة للجميع، لكن طريقة وقفها ونتائج أي هدنة أو تسوية، يجب أن تأخذ في الاعتبار أن التباينات القائمة بين الإدارة الأميركية وحكومات غربية من جهة وبين حكومة بنيامين نتنياهو من جهة ثانية، لا يمكن أن تكون عنصراً يستفيد منه أعداء إسرائيل في المنطقة، خصوصاً أنهم أساساً أعداء للسياسات الغربية.
وقال المصدر إن الجميع يجيد التمييز في المبادرة الأميركية الأخيرة بين الحاجات الداخلية لإدارة الرئيس جو بايدن، التي فرضت هذا الشكل من التعامل مع المبادرة، والمصالح الاستراتيجية لإسرائيل وتالياً للأميركيين. وفي مقدّم نقاط الالتباس تقف فكرة أن تتولى واشنطن مهمة الناطق باسم حكومة إسرائيل وعدم التزام نتنياهو بإعلان موافقة صريحة على المقترح، أو إعلان الالتزام بقرار مجلس الأمن الدولي. ويضيف المصدر العربي الرفيع أن واشنطن صارحت الوسطاء بأنها لا تريد إحراج نتنياهو بدفعه إلى موقف يظهره في موقع الخاسر داخلياً وفي مواجهة حماس، وأن الإدارة الأميركية تعرف أن وقف الحرب الآن، من دون الحصول على مكتسبات بعيدة المدى على صعيد من يدير غزة ومصير المقاومة، يعني خسارة استراتيجية لإسرائيل. كما تدرك واشنطن أن فتح العدو لجبهة واسعة مع لبنان من شأنه وضع المنطقة أمام آفاق سلبية كبيرة، لكنها في الوقت نفسه غير قادرة على ترك إسرائيل في حالة استنزاف أمام حزب الله.
رد المقاومة لا يضرب أساسات مقترح بادين المكتوب ولا تصريحاته أيضا
وبحسب المصدر العربي، فإن ما جرى فعلياً هو أن رد المقاومة الفلسطينية لم ينل من جوهر المبادرة التي أعلن عنها الرئيس الأميركي شخصياً، ولا مع تفسيراته لبعض البنود. وتظهر التعديلات التي قدّمتها المقاومة (النص في مكان آخر من الصفحة) تكشف أن ما أضافته المقاومة لا يتجاوز طلب خروج الاحتلال من معبر رفح وكل الحدود بين غزة ومصر، وأن لا يتم السير في عملية تبادل الأسرى في المرحلة الثانية إلا بعد إعلان الاتفاق على الوقف المستدام للحرب. وهي أمور سبق للوسطاء أن أثاروها مع الجانب الأميركي، وقال الأميركيون إن بايدن شخصياً يتعهد بعدم عودة إسرائيل إلى الحرب في حال وافقت حماس على المقترح. بل أكثر من ذلك – يضيف المصدر – فإن حماس التي تحدثت في الاجتماعات مع الوسطاء عن الحاجة إلى ضمانات أكيدة وأكثر قوة من جانب الولايات المتحدة لعدم خرق العدو للاتفاق، لم تصرّ على إيراد هذا المطلب كفقرة منفصلة في النص الذي سُلّم إلى الوسيطين القطري والمصري.
لكنّ المصدر يوضح، أن ردة فعل الجانب الأميركي التي راوحت بين تحميل حماس المسؤولية عن فشل المسعى، والحديث عن احتمال البحث في صيغ تلبّي مطالبها، هي ردة فعل طرف يعرف في الجوهر أن إسرائيل لا تريد إنهاء الحرب، ولا تريد بالتحديد الخروج من محور فيلادلفيا وإعادة تسليم معبر رفح للجهات الفلسطينية، كما لا تريد الخروج من محور نيتساريم حيث تبني منشآت عسكرية ضخمة لتثبيت الوجود العسكري لقوات الاحتلال في المنطقة الفاصلة بين شمال القطاع وجنوبه. وقال المصدر إن العدو يقترب أصلاً من لحظة إعلان نهاية عمليته في منطقة رفح، والسؤال الآن هو حول كيفية إعلان «الانتصار في رفح»، وهو تحدّ جدّي أمام حكومة نتنياهو التي تواجه معضلات داخلية كبيرة، حيث يخشى أن يهرب نتنياهو وعسكره نحو مزيد من العنف سواء في غزة أو على الجبهة مع لبنان.
وعليه، لفت المصدر إلى أن حراكاً من نوع جديد تقوده الولايات المتحدة بالتعاون مع حلفاء لها في المنطقة يقود إلى تقديرات بأن المنطقة على شفير انفجار أكبر. وقال المصدر إن الجهد يتركز الآن على التالي:
أولاً، إطلاق مرحلة جديدة من الضغوط على المقاومة في فلسطين، وعلى أهالي غزة لإجبارهم على الاستسلام والقبول بإدارة جديدة وإعلان براءتهم من المقاومة، وهو أمر يصعب تحقّقه، ما يعني استمرار العنف والحصار والتجويع.
ثانياً: تهديد لبنان بأن مشاهد غزة ستنتشر في كل مناطقه إذا لم يبادر إلى إلزام حزب الله بوقف إطلاق النار على قوات الاحتلال، بما ينزع مبرّرات أي عدوان إسرائيلي.
ثالثاً، إعادة تفعيل التحالفات العسكرية في منطقة الخليج العربي من خلال خطة عمل بدأت في اجتماع القادة العسكريين في البحرين، حيث يقتصر جدول الأعمال على بند واحد، وهو كيفية الشروع في خطة لحصار «أنصار الله» في اليمن، وإيجاد مظلة أكبر لحماية المصالح الأميركية والإسرائيلية في البحريْن الأحمر والعربي.
عملياً، تقف المنطقة عند نقطة مفصلية، وهو الأمر الذي تتعامل معه القوى المعنية في محور المقاومة بطريقة خاصة، ذلك أنها ليست في موقع المنتظر لما سيبادر إليه الأعداء، بل تملك أيضاً القدرة على تعزيز المبادرة الموجودة في يدها، داخل فلسطين أو على حدودها أو حتى على مسافات بعيدة عنها.