أمام خفّة واستهتار القوى السياسيّة
نجيب ميقاتي: أنا لها

كتبت ريان بيضون

كتبت ريان بيضون

أدمنت بعض القوى السياسيّة اللبنانيّة لعبة التراقص على حافّة الهاوية وخاصّة أمام استحقاقات يتوقّف مصير وطن وشعب عليها، بحجج واهية كالميثاقيّة والعيش المشترك وغيرها من المصطلحات التي تهدم الأوطان ولا تبنيها. وآخرها وليس أخيرها قضية ملء منصب حاكميّة مصرف لبنان على مشارف انتهاء ولاية الحاكم الحالي رياض سلامة. أساس المشكلة هي في الفراغ التي تعاني منه المواقع الدستورية الأهم في الدولة اللبنانية وهي رئاسة الجمهورية وتاليًا رئاسة الحكومة، وما يستتبعها من فراغ أيّ موقع وظيفي آخر سواء عسكري أو مالي أو مدني. هذا الفراغ الدستوري جعل من قضية انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان مشكلة وطنية كُبرى تُضاف إلى قائمة مشاكل الوطن. فالخياران الأسلمان هما إمّا تعيين حاكم جديد أو استلام نائب الحاكم الأول كما ينصّ قانون النقد والتسليف، وقد تعامل – ولا تزال- بعض القوى السياسيّة بخفّة واستهتار قاتلين أمام قضية أمن قومي بامتيّاز. وفي حين كانت بعض القوى السياسيّة تتعامل بخفّة مع هذه القضيّة المصيريّة تحت حجج الصلاحيات والتعدّي عليها وحقوق الطوائف، انبرى الرئيس ميقاتي وكعادته من موقع رجل الدولة المسؤول ليأخذ على عاتقه ويحمل على أكتافه كرة النّار الملتهبة.
انتخاب رئيس للجمهورية هو الأولى
وضع نجيب ميقاتي أصبعه في البداية على الجرح وأصل المشكلة وهو الفراغ الرئاسي وما ينتج عنه من تعطّل لأهم المواقع الدستوريّة في البلاد وغياب الانتظام العام، لذلك دعا كل القوى السياسيّة دون استثناء إلى تحمّل مسؤولياتها الوطنية والتاريخية وانتخاب رئيس جديد للبلاد وبذلك يعود الانتظام العام إلى كل المؤسسات العامة ويتم ملء الشغور في المواقع جميعها.
تعيين حاكم جديد للحفاظ على المواقع
مع تعذّر إمكانية انتخاب رئيس جديد للبلاد ومن موقعه كرجل مسؤول سعى إلى تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، لإدراكه مدى خطورة الشغور في هذا الموقع بالذات، وما قد ينتج عنه تداعيات تصل إلى الفوضى المجتمعية التي قد تطيح بالسلم الأهلي.
تطبيق القانون هو الأسلم
وعند تعذّر ذلك أيضًا بسبب تصلّب غير مبرر من بعض القوى السياسيّة وكأن هدفها هو العرقلة ولا شيء غير العرقلة دون أي اعتبار لأي مصلحة وطنيّة، لجأ عندها إلى القانون المنظّم لهذه العمليّة وهو قانون النقد والتسليف – المادّة 25- التي تنصّ على استلام نائب الحاكم الأول في حال الشغور، لاعتقاده بأن القوانين وُضعت لتحقيق الصالح العام والمصلحة الوطنيّة وبها يتمّ تنظيم المجتمعات وتسيير شؤون الناس، وإن الالتزام بها وتطبيقها يجعل من المجتمعات في حالة من التوازن والاستقرار.
لا للاستقالات
مع انسداد الأفق أمام حلّ طبيعي وسلس لهذه القضيّة، وقف نجيب ميقاتي بصرامة أمام خيار استقالات نوّاب الحاكم، فأنشأ خليّة عمل، وسعى ليل نهار سواء عبر الاجتماع معهم أو من خلال الاتصالات السياسيّة بالقوى المؤثرة لردع أيّ نائب عن تقديم استقالته وخاصّة النائب الأول لخطورة شغور الحاكمية من مجلسها المركزيّ، ليصل في هذه القضيّة إلى برّ الأمان. اتفق الرئيس ميقاتي مع نوّاب الحاكم على انه لا استقالات، وسيتحمّل كل طرف مسؤوليته بحكم موقعه، على أن ينال الهؤلاء كلّ الدعم المطلوب من مجلس النوّاب بالدرجة الأولى من خلال بعض التشريعات منها استعمال 600 مليون دولار من الاحتياطيّ واستعمالها في ضمان تحقيق الاستقرار النقدي، على أن تقوم الحكومة خلال سنة بردّ هذا المبلغ إلى خزينة مصرف لبنان، بالإضافة إلى توفير الدعم لخطّتهم التي عرضوها وناقشوها مع لجنة العدل والإدارة.
كرة نار أخرى إذا انطفأت يكون نجيب ميقاتي هو الإطفائي الأول لها، وهو ينتظر وبكل صبر وعزيمة على إطفاء المزيد من كرات النّار التي ألهبتها الأزمة ويزيد من اشتعالها تعاطي سلبي من قوى سياسيّة امتهنت السلبيّة والتعطيل، ولكن أمام قامة وطنيّة امتهن إطفاء الحرائق ينبري نجيب ميقاتي ليقول: أنا لها أنا لها.

Exit mobile version