أسئلة لا بدّ من الردِّ عليها حول تنفيذ مجزرة «البايجر»؟.. ردُّ الحزب قد يتأخّر حتى استجماع كل المعطيات
كتب غاصب المختار في “اللواء”:
اكتمل مشهد رغبة الكيان الإسرائيلي بتفجير أوضاع المنطقة وجرّها مع الولايات المتحدة الأميركية الى حرب واسعة، حذّر الموفد الأميركي آموس هوكشتاين من نتائجها الكارثية ليس على لبنان فقط بل على إسرائيل أيضاً، كما على معركة الانتخابات الرئاسية للحزب الديموقراطي، خلال زيارته أمس للكيان الإسرائيلي، والمرتقب أن يصله أيضا كما تردد وزير الدفاع الأميركي لويد جونسون. فما قام به الكيان الإسرائيلي من تفخيخ وتفجير أجهزة التلقّي «بايجر» والتسبب بإبادة جماعية لآلاف المواطنين اللبنانيين يؤكد نيّته بالذهاب الى النهايات الكارثية في المواجهات.
وبرغم الصمت المريب لكيان العدو عن فعلته الرهيبة، فقد أكدتها كل وسائل الإعلام حتى الأميركية «الصديقة» لهذا الكيان وحمّلته مسؤولية المجزرة وكشفت معطيات عن كيفية حصولها، بغضّ النظر عن دقّة هذه الرواية أو تلك، من ذا المصدر أو ذاك. لكن المجزرة حصلت بفعل فاعل معلوم وكان العدو يعلم أن نتائجها ستصيب المدنيين والعاملين في القطاعات الصحية بشكل خاص، وان هذه المجزرة لا يمكن السكوت عليها ولا من أي بلد تحصل فيه، لذلك كان القرار الضمني لقادة كيان العدو من هذه المجزرة هو دفع المواجهات الى حدّها الأقصى مهما كلّف الأمر، وأيّا تكن الدول التي ستتورط فيها ومهما كانت العواقب.
ويبدو ان رئيس كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو لم يعد أمامه من خيارات للخروج من هذه الحرب التي كلّفت كيانه وكلّفت حلفاؤه الكثير، سوى خيار تصعيد المواجهة الى الحد الأقصى هرباً من المآزق الداخلية التي يتخبط بها، ومحاولة تجنيب الكيان المحتل الإقرار بهزيمة حتمية بعد عجزه عن إنهاء المقاومة في فلسطين وفي لبنان، علّ ذلك يقيهِ السقوط المريع الذي ينتظره بعد وقف الحرب والتي ستتوقف إن عاجلاً أم آجلاً.
أما في تداعيات المجزرة على لبنان، فلعلّ المفيد الإضاءة أولاً على حالة الوحدة الوطنية التي تجلّت بتضامن أهالي بيروت الوطنية والشمال والبقاع مع مصابي الضاحية والجنوب والبقاع، والتهافت الى المستشفيات للتبرع بالدم ومساعدة جرحى المجزرة، وهو مشهد لم تكن ترغب إسرائيل أن تشاهده بل العكس كانت تعمل على إيقاد نار الفتنة الإسلامية – الإسلامية لتخلق الشرخ المذهبي بين المقاومة وعموم الجمهور اللبناني، الذي أظهر انه ما يزال يعتبر إسرائيل عدوه الأول والوحيد، ويكفي ما قاله أبناء الطريق الجديدة ليل أمس الأول عند أبواب المستشفيات «اننا باقون هنا حتى الصباح لدعم أهلنا الجرحى وتقديم كل العون لهم». عدا المواقف السياسية المتضامنة حتى من خصوم الحزب السياسيين، فمجزرة بهذا الحجم سقط فيها آلاف الشهداء والجرحى لا يمكن اعتبارها حدثاً عسكرياً أو أمنياً عادياً وعرضياً.
وفي الشق الآخر من التداعيات، فلا بد من انتظار كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عصر اليوم لمعرفة التوجه العام للحزب في تقييمه للمجزرة وكيفية ارتكابها والرد الحتمي عليها كما قال بعض مسؤوليه أمس. وهنا لا بد من انتظار نتائج التدقيق في كيفية توصل العدو الإسرائيلي الى اختراق كل الآليات التي إتّبُعَتْ لرصد شحنة الأجهزة التي تلقّاها الحزب، من بدء تصنيعها في أوروبا الى سبل نقلها وتوزيعها في لبنان وكيفية تفخيخها، أثناء التصنيع أو بعده، ومن ثم تفجيرها بين أيادي أعضاء عاملين في مؤسسات حزب الله المدنية وبعض العسكريين أو المكلفين بمهام ذات طابع لوجستي وتقني أو حتى قتالي في الحزب، دون سواهم ممّن يحملون الأجهزة ذاتها من الطواقم الطبية في مستشفيات لبنان الخاصة أو الحكومية أو بعض المؤسسات الاقتصادية والتجارية.
هذه الأسئلة لا بد من الإجابة عليها، لمعرفة كيف حدث الخرق الاستخباراتي والفني – التقني، وهل هو داخلي أو خارجي أو داخلي وخارجي معاً، ومَنْ ساعد في حصوله من «أصدقاء إسرائيل» الخارجيين والداخليين، وبناءً لما يتم التوصل إليه يُفترض أن يحدد حزب الله كيفية الرد وحجمه وأهدافه ولو طال لوقت قليلاً، كما حصل بعد «عملية الأربعين» التي نفذها الحزب ردّاً على اغتيال القائد العسكري الشهيد فؤاد شكر.
لكن عنوان الرد يُقرأ من عنوانه، ومفاده كما أفاد حزب الله ان إسناد غزة قائم كما هو حاصل الآن ومنفصل عن الثمن الذي سيدفعه العدو جرّاء المجزرة التي ارتكبها ولو كان الثمن الذي دفعه الحزب بالأمس غالياً جداً في معركة ضمن سياق حرب كبيرة وربما سيدفع أثماناً أخرى كما سيدفع الكيان الإسرائيلي أثمان جرائمه.
وكما هي العادة كان الموقف الأميركي خجولاً وضبابياً من أي مجزرة يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، لا بل عمدت الإدارة الأميركية عبر تصريحات من البيت الأبيض ووزارة الخارجية، الى التنصل من ارتكاب المجزرة، مع ان المعلومات الأميركية والعبرية أفادت أن وزير الحرب الإسرائيلي غالانت أبلغ نظيره الأميركي لويد اوستن ان إسرائيل بصدد القيام «بعمل خطير ودقيق في لبنان»، ولم تفعل الإدارة الأميركية الفعل الكافي لثنيه عن القيام بهذا العمل المجنون حتى لو لم تكن فعلا تعرف تفاصيله لكنها على علم بحدوثه وقد حدث.