أخطاء استراتيجية التعامل مع بيئة المقاومة وكأنها مهزومة
بقلم المحامي حسين رمضان
في خضم التحولات السياسية والاجتماعية التي يشهدها لبنان، يظهر اتجاه متزايد نحو التعامل مع بيئة المقاومة ومناصريها وكأنهم مهزومون أو خارج الحسابات الوطنية. هذه النظرة الخاطئة، المدفوعة أحيانًا بحسابات آنية أو ضغوط خارجية، تُعتبر خطأ استراتيجيًا بالغ الخطورة. إذ إن هذه البيئة، التي شكلت على مدى عقود ركنًا أساسيًا من معادلة الاستقرار الداخلي والصمود الوطني، ما زالت تمتلك من القوة والفعالية ما يكفي لقلب الطاولة على كل من يخطئ في تقدير مكانتها.
١- دور المقاومة في المعادلة الوطنية .
بيئة المقاومة ليست مجرد جمهور داعم لمشروع سياسي أو عسكري، بل هي امتداد اجتماعي وثقافي عميق الجذور في لبنان. هذه البيئة تحمل إرثًا من الصمود في مواجهة الأزمات والتحديات، وكانت دائمًا جزءًا لا يتجزأ من المعادلة اللبنانية، داخليًا وإقليميًا.
التعامل مع هذه البيئة بعقلية الاستضعاف أو الاستهداف لا يعبر فقط عن قصر نظر سياسي، بل يُظهر فشلًا في قراءة موازين القوى. فهذه البيئة ليست بمعزل عن التطورات الداخلية والخارجية، بل على العكس، تمثل قوة فاعلة ومؤثرة في المعادلات الإقليمية الكبرى.
٢- أخطاء التعامل مع بيئة المقاومة .
من الأخطاء الاستراتيجية التي يقع فيها البعض هو محاولة إضعاف بيئة المقاومة من خلال إجراءات تعسفية، سواء عبر الضغوط السياسية أو الاقتصادية أو القضائية أو من خلال الحملات الإعلامية التي تستهدف تشويه صورتها.
هذه السياسات تفشل دائمًا لأنها تتجاهل عمق التلاحم الاجتماعي بين المقاومة ومناصريها، ولأنها تُغفل قدرة هذه البيئة على التأقلم مع الضغوط وتحويل التحديات إلى فرص. إن تصوير هذه البيئة كمهزومة لا يعكس الواقع، بل يعبر عن أمنيات منفصلة عن الحقائق على الأرض.
٣- المقاومة في قلب المعادلات الدولية .
بيئة المقاومة ليست مجرد ظاهرة محلية، بل هي عنصر فاعل في المعادلات الدولية. إن من يظن أن الضغوط الخارجية أو العقوبات يمكن أن تفكك هذه البيئة يخطئ في فهم طبيعة صمودها.
على العكس، فإن هذه البيئة أثبتت قدرتها على مواجهة التحديات وتحقيق المكاسب، ليس فقط على المستوى المحلي، بل أيضًا على الساحة الإقليمية. لذلك، فإن أي محاولة لاستهدافها لن تؤدي إلا إلى تعزيز صلابتها وزيادة تمسكها بمبادئها وأهدافها.
٤- المعادلة الإقليمية ودور المقاومة
إن موقع المقاومة في المعادلة الإقليمية يتجاوز الحدود اللبنانية. فهي لاعب أساسي في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، كما أنها جزء من المحور الذي يواجه الهيمنة الغربية في المنطقة. محاولة كسر هذه البيئة عبر ضغوط داخلية أو خارجية لن تُحقق أهدافها، بل ستؤدي إلى تعزيز صلابتها وزيادة تمسكها بمبادئها.
التدخلات الإسرائيلية في سوريا تقدم دليلًا واضحًا على نوايا تل أبيب العدوانية تجاه المنطقة بأسرها. الغارات الجوية المتكررة، محاولات استهداف مواقع استراتيجية، والسعي لتقويض أي بنية تحتية عسكرية أو اقتصادية تعزز صمود دمشق، كلها تكشف الوجه الحقيقي لإسرائيل كدولة تهديد تسعى لتوسيع نفوذها بأي ثمن.
٥- الحاجة إلى استراتيجية دفاعية وطنية
مع استمرار هذه التهديدات، يصبح إعداد استراتيجية دفاعية وطنية أمرًا ضروريًا. هذه الاستراتيجية يجب أن تتسم بالشمولية، بحيث تدمج قدرات المقاومة ضمن منظومة الدولة الدفاعية، مع الحفاظ على استقلاليتها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
الاستراتيجية يجب أن تقوم على النقاط التالية:
1. تعزيز التكامل بين الجيش اللبناني والمقاومة: لضمان حماية الحدود والردع الفوري لأي اعتداء.
2. تعزيز العلاقات مع الحلفاء الإقليميين والدوليين: لتأمين الدعم السياسي والاقتصادي في مواجهة الضغوط الخارجية.
3. تطوير القدرات الدفاعية: سواء على مستوى التسليح أو التدريب، بما يضمن مواجهة أي عدوان إسرائيلي محتمل.
وعليه إن التعامل مع بيئة المقاومة وكأنها مهزومة هو خطأ استراتيجي لن يؤدي إلا إلى نتائج عكسية. هذه البيئة ليست مجرد رقم في معادلة داخلية، بل هي قوة مركزية في صياغة مستقبل لبنان وتوازناته الإقليمية.
المطلوب اليوم هو التخلي عن هذه النظرة القاصرة، والعمل على بناء شراكة وطنية حقيقية تقوم على احترام كافة الأطراف ودورها في حماية لبنان وتعزيز استقراره. فقط من خلال هذا النهج يمكن الوصول إلى حلول مستدامة تُخرج البلاد من أزماتها المتراكمة.
إن بيئة المقاومة ليست بمعزل عن الأزمات الوطنية، لكنها كانت وستبقى جزءًا من الحل، وليس المشكلة. التعامل معها كطرف مهزوم هو رهان خاسر لن يخدم إلا مصالح من يسعى إلى زعزعة استقرار البلاد.