كما تساءل: “إذا كان الواقع اللّبناني يتّجه نحو مرحلة جديدة من التّغيير لبناء الدّولة وحفظ الكيان، فهل ذلك يعني أن نغيِّر ثوابتنا؟ أم يعني التّكيّف مع المتطلّبات الوطنيّة؟ ونحن الأشدّ حرصًا على قيام الدّولة العادلة الجامعة، والأكثر تعلُّقًا بالوطن والتصاقًا به دون سواه”.

وبيّن أبي المنى أنّ “هكذا هو الأمر في ما يتعلّق بالقيم الاجتماعيّة والعقائد الدّينيّة والممارسة الرّوحيّة، فإنّنا نزدادُ تعلّقًا وتعمُّقًا بها كلّما تعاظمت موجاتُ الإلحاد والتّكفير والتّمدّن الأعمى والانحراف عن سُنن الحقِّ ومبادئ الإنسانيّة، لأن الحفاظَ على الهويّة الوجودية للموحّدين الدّروز مرتبطٌ بالحفاظ على هذه الثّوابت وبعدم التّفريط بها واحدة تلو الأخرى، فنفقد تميُّزنا ونخسر الذّهب الاحتياطي الّذي تركه لنا أسيادُنا وأجدادُنا؛ والّذي نغتني به ونُحسَد عليه”.

وأشار إلى أنّه “إذا كنّا اليوم نخرج من حربٍ مدمِّرة على مستوى لبنان، ونحاول أن نلتقط الأنفاسَ في ظلّ انسحابِ العدو الإسرائيلي من أرض الجنوب، إلّا أنّنا ما زلنا نعاني من آثار تلك الحرب، ونشعر مع أبناء الجنوب والضّاحية والبقاع الّذين فقدوا أغلى النّاس والممتلكات، ونستبشر خيرًا بالعهد الجديد والحكومة الجديدة، ونأمل بعودة الجميع للالتفاف حول الحالة الوطنيّة، أي حول الدّولة ومؤسّساتها، وحول ​الجيش اللبناني​ ودعمه ليتمكّن من القيام بالواجب”.

ودعا إلى “عقد “شراكة روحيّة وطنيّة” موسّعة، وقد أطلقنا فكرتها الأولى من دار الفتوى ومن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى منذ أيّام، وسنُكمل المهمّة، علَّها تتحقّق برعاية رئيس الجمهوريّة وبمشاركة القادة الرّوحيّين والسّياسيّين وفاعليات المجتمع، فنلتقي جميعنا تحت مظلّة هذه الشّراكة، ونُقسِمُ سويًّا على التّضامن بصدق وإخلاص للإصلاح والإنقاذ، وعلى العمل معًا بمسؤوليّة وانفتاح لالتقاط الفرصة المؤاتية لنهضة لبنان من جديد”.

وشدّد أبي المنى على “أنّنا إذا كنَّا نتوقُ لأن نرتاحَ يوماً ما في خضمِّ هذا المحيطِ المتلاطم الذي نعيش فيه، من لبنانَ إلى فلسطينَ وسوريا والجوار، لكنَّ الواقعَ المعقَّدَ نتيجة اغتصاب فلسطينَ من اهلها لن يسمح لنا بذلك بسهولة، فهذه هي سوريا المشتعلةُ فيها نيرانُ الثورة منذ العام 2011، والتي قَتل فيها النظامُ الساقطُ الآلافَ من شعبها وهجّر الملايين ودمَّر المدن والقرى واستدعى جيوشَ الدول للتواجد على أرضها، ها هي اليوم تنتصر على نظام الاستبداد وتطرد قادته وتحقّق أمنياتِ الشعب السوريِّ الجريح. لكنَّ الاستقرار لم يتحقَّق بالكامل، والدولةَ الفتيَّة ما زالت تحت مجهر التحدّي والاختبار، وعلى الجميع أن يمنحوها الوقتَ والعونَ لذلك، وأن يَمحضوها الثقةَ كما فعل وليد جنبلاط وفعلنا منذ اللحظة الأولى للانتصار”.

وأضاف: “الموحدون الدروز في سوريا ما زالوا كغيرهم يتلمَّسون سبلَ المشاركة والانخراط في مهمة بناء الدولة وحفظ الأمن وتأمين العيش الكريم، بينما تُمعنُ القيادةُ الإسرائيليةُ في إغراء الدروز بادِّعاء الحرص عليهم، وتسعى إلى تنفيذ مخططاتَها التوسّعية تحت ذريعة حمايتهم، ولكنَّ مطلبَ الجبل كان ويبقى وحدةَ سوريا أرضاً وشعباً، ورفضَ أيِّ نوعٍ من أنواع التبعيّة أو الانفصال، وهو ما ينسجم مع تاريخهم الوطنيِّ والعربيِّ المجيد؛ وما يحرص عليه حكماؤُهم وقادةُ مجتمعِهم ورجالُهم الوطنيُّون الأحرار”.

وأكّد أنّ “الموحِّدين الدروز رفضوا ويرفضون القولَ بحقوقِ الأقليات، ويُصرُّون على وحدة أوطانهم، وأوّلُها وحدةُ سوريا، وعلى أن حقوق السوريين يجب أن يضمنها دستورٌ عصريّ ونظامٌ ديمقراطي وقوانينُ وضعيّة تكرِّس الدولةَ الوطنية الجامعة”.

إلى ذلك، شدّد شيخ العقل على أنّه “على أحرار سوريا، وأحفاد سلطان باشا الأطرش في طليعتهم، أن يَحذروا من الانجرار إلى الفوضى التي يريدُها الأعداءُ لهم، وألّا يقبلوا بالانعزال عن محيطهم العربي والإسلامي ولا ينجرفوا مع المخطّط الصهيوني الذي يهدف، كما يبدو، إلى تقطيع أوصال سوريا تمهيداً لتفتيت العالم العربي وإضعافه. وهذه مسؤوليةٌ ملقاةٌ على العرب ليتصدُّوا لذلك المشروع التخريبي قبل فوات الأوان، كما قال بالأمس وليد جنبلاط في مؤتمره الصحفي متقدِّماً في تحذيره وموقفه على الجميع”.

وتابع: “إنَّ لقاءنا اليومَ، يهدفُ إلى إعلاء الصوت ليسمعَ القاصي والداني بأنَّ الموحدين الدروز محميُّون أوّلاً بتعلُّقُهم بالثوابت، ومحميُّون بعون الله بوحدتهم وتماسكهم وباندماجهم الاجتماعي مع مكوّنات أوطانهم، ومحميُّون بمشاركتِهم الفاعلة في بناء دولتهم، لتكون قوية حاضنة للجميع وقادرة على طمأنتهم”.

وركّز على أنّ “حمايتهم لن تكون، كما يتوهَّمُ بعضُهم، من قبل عدوٍّ طامعٍ باستخدامهم لهذا الغرض او لذاك الهدف، فيكونوا حراسَ حدودٍ هنا او عمالاً مأجورين هناك، أو تابعين محكومين لهذا أو لذاك من الأنظمة، أو خارجين عن حقيقة انتمائهم وهويتهم، ومفصولين عن تاريخِهم وتراثِهم وعمقِهم العربيِّ الذي يتوجَّبُ على قادته أن يندفعوا لاحتضانهم ودعمهم، وألا يتخلَّوا عن شريحة عربيةٍ أصيلة جاهدت وقدَّمت التضحيات الجسامَ دفاعاً عن الثغور وصوناً للهوية العربية الإسلامية المشرقية”.

ولفت أبي المنى إلى أنّ “هذا ما نادى به في القرن الماضي القادةُ الموحِّدون الدروز في لبنان وسوريا، وهذا ما حمل رايته أعلامٌ من بني معروف من فلسطين الذين أعلنوا مراراً تمسَّكَهم بالانتماء للقومية العربية، وعدمَ انصياعهم لمحاولات سلخهم عن جذورهم وإلحاقهم بقومية درزية مصطنعة أو بدويلة درزية موعودة، وهذا ما يؤكد عليه اليومَ بحزمٍ ومسؤولية جنبلاط وقادةُ الدروز الثابتون في مواقعهم ومواقفهم دون أدنى تراجعٍ أو التواء، وهو ما نقول به دائماً في مشيخة العقل؛ وما ننادي به على رؤوس الأشهاد بكلِّ فخرٍ واعتزاز”.

وأضح أنّ “تلك هي مواقفنا التي نُعلنُها بأخوّةٍ توحيديةٍ لا تنفصمُ عُراها، وإن كنَّا لا نتدخَّلُ بما لا يحقُّ لنا التدخُّل به خارج لبنان، إلّا أننا مطالَبون أمام الله والتاريخ بالتأكيد على الثوابت، ولنا ملءُ الثقة بإخواننا أولي الحكمة والشجاعة والأصالة في سوريا وفلسطين بأنهم حريصون مثلَنا عليها حرصَهم على حقوقهم في أوطانهم”.

وذكّر بـ”أنّنا قلنا في بياننا الأخير الذي صدر عن المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز بتاريخ 15 شباط 2025، “إن للموحدين الدروز مرجعياتِهم الروحيةَ ورئاساتِهم الدينيةَ في كلّ بلدٍ يعيشون فيه، وإن أحداً من أصحاب السماحة لا يدّعي سلطتَه الرسمية على من هم خارج حدودِ بلده، بالرغم من استقائهم جميعاً من مَعينٍ توحيديٍّ واحد، وبالرغم من الصلات الروحية المتينة التي تربطُهم بعضَهم ببعض”، ودعَونا إلى عدم الأخذ بالفبركات الإعلامية التي “تهدف إلى إثارة الفتنة الداخلية وخدمة المخطّطات العدوانية”، وما أكثرها، وهو “ما لا يَسمح به عقلاءُ الطائفة وأبناؤها المخلصون أينما كانوا”، راجين الله “أن تبقى العائلةُ التوحيديةُ مصانةً من شرّ الفتن، محافِظةً على هويتها التاريخيةِ المشرّفة. نرحِّب بكم مُجدّداً، ونحيِّي باسمكم الزعيم القائدَ وليد بك جنبلاط، ونحن على مشارف السادس عشرَ من آذار الذي أراده ويريدُه الوطنيون يوماً تاريخياً يعكس فرح الانتصار على الظلم ولو بعد حين. حماكم الله وليد بك وأدام المختارةَ قلعةً للوطنية والعروبة”.

وكان مجلس إدارة المجلس المذهبي واثر اجتماعه الشهري في دار الطائفة برئاسة أبي المنى، قد أصدر البيان التالي:

“أولًا: يتقدّم المجلس من الشعب اللبناني مسلمين ومسيحين بالتهنئة والتبريكات بحلول شهر رمضان الكريم وزمن الصوم المبارك، أعادهما الله على الجميع بالخير والرحمة، سائلين المولى أن ينعم وطننا بالاستقرار والأمان وأن يتحقق بناء الدولة التي ترضي طموحات وآمال اللبنانيين.

ثانيًا: يبدي المجلس ارتياحه للثقة النيابية الممنوحة للحكومة، لتنفيذ بيانها الوزاري الموافق لخطاب القسم بإنجاز الإصلاحات المطلوبة لإعادة بناء المؤسسات على أسس متينة، وتنفيذ اتفاق الطائف بكامل بنوده، بما في ذلك اللامركزية الإدارية وإنشاء مجلس الشيوخ، إضافة الى تطبيق القرارات الدولية وخصوصا القرار 1701 بمندرجاته كافّة”.

ثالثًا: يدعو المجلس الدول المشاركة في القمة العربية عشية انعقادها في القاهرة، لتوحيد جهودها بمواجهة مخططات العدو الإسرائيلي بالتقسيم والتفتيت والتوطين لصالح سياساته التوسعية، والتمسك بالمبادرة العربية للسلام الصادرة عام 2002 عن القمة العربية في بيروت.

رابعًا: يعرب المجلس عن عميق ألمه لحادثة جرمانا الأخيرة، شاكراً التجاوب مع المساعي الحميدة، وداعياً أهلنا للتبصّر بعواقب الانجرار وراء الفوضى الهدّامة التي تتذرّع بها إسرائيل لحماية الأقلية الدرزية، بهدف تنفيذها مخطط تقسيم سوريا. كما يتوّجه المجلس إلى أهلنا، مشايخ وأبناء طائفة الموّحدين المسلمين الدروز في جبل العرب، الذين سطّروا عبر تاريخهم الحافل بالبطولات والتضحيات أسمى مواقف العزّ والشرف، داعياً إياهم لوقفة تاريخية مفصلية، تؤكّد تمسكهم بهويتهم العربية الإسلامية وبوحدة الوطن.

خامسًا: مع اقتراب يوم السادس عشر من آذار، يستذكر المجلس القائد الشهيد كمال جنبلاط، الذي انتصر بفكره الثاقب وإرادته الحرّة على سيوف المستبدّين ظلماً وقهراً، ويرى في ذكرى استشهاده الـ 48 مناسبة جديرة باستحضار نهجه لرسم طريق المستقبل الواعد للأجيال”.