كتب مبارك بيضون
لم تكد كلمة رئيس مجلس النواب نبيه بري ان انتهت إلا وتوالت ردود الأفعال عليها بين مؤيد ورافض، في غمرة غرق البلد في انهيارات متتالية مع شغور رئاسي ستقترب مدته من العام، بالتوازي مع فراغ تشريعي في ظل حكومة تصريف أعمال مقيدة بنصوص تشل من عملها، بالتزامن مع اسوأ ازمة اقتصادية تطحن ما تبقى من هيكل الدولة المتداعي فوق رؤوس اللبنانيين.
دعوة الحوار التي طرحها بري ما هي إلا محاولة لدعم المبادرة الفرنسية التي تجابه الأمريكيين الذين جندوا جنودهم في لبنان للتصويب عليها، ووضع العصا بعجلاتها لمنع فرنسا من تحقيق أي نوع من أنواع التقدم على الساحة اللبنانية في ظل الانكفاء السعودي وحالة المزاجية الأمريكية في مقاربة ملفات المنطقة.
المزاجية الأمريكية بلغت ذروتها في الملف اللبناني حيث لا نجد موقفًا واضحا لها من الاستحقاقات المتلاحقة، كما تتجلى بعلاقاتها مع حلفائها وأخرهم حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، الذي فرضت عليه العقوبات بمجرد ما أزيلت عنه عباءة الحصانة السياسية التي كان يتمتع بها في ظل الحاكمية.
ومع هذه التوترات التي تزداد مع اقتراب الإنتخابات الرئاسية الأمريكية، بدأ التصويب الأمريكي على فرنسا، من خلال استباق وصول المبعوث الرئاسي الفرنسي الى لبنان جان ايف لودريان عبر ارسال كبير المستشارين الرئاسيين لشؤون الطاقة آموس هوكشتاين الى بيروت، ليظهر جزء مما يعتبره إنجازات على الساحة اللبنانية إن كان من خلال ترسيم الحدود البحرية مع الكيان المحتل، وإبراز الدور الامريكي فيه، في غمز إلى فشل الدور الفرنسي على الساحة اللبنانية منذ الدخول المباشر على الساحة اللبنانية عقب انفجار مرفأ بيروت عام 2020.
الدور الإيراني ليس بعيدًا عن الأمور السياسية الداخلية، فالجمهورية الإسلامية وحلفائها في لبنان لهم دور محوري في رسم خريطة النفوذ في المنطقة، بعد الانتصارات المتنقلة بين لبنان واليمن وسوريا وقطاع غزة، فلن يقبل المحور بحصد انجازات تقل عن التضحيات المبذولة في سياق الحد من الدور الأمريكي في منطقة شرق المتوسط.
إلى ذلك، تحاول الولايات المتحدة الأمريكية عبر سفيرتها في لبنان إظهار الارتياح الأمريكي على الساحة اللبنانية من خلال نشر صور شيا مع هوكشتاين على الروشة وزيارتهم الى بعلبك التي تعتبر خزان المقاومة الأول، في إشارة واضحة الى عدم الإكتراث بالتوازنات الجديدة في المنطقة
وفي سبيل ذلك بدأت واشنطن بدعم الدور الإماراتي على الساحة اللبنانية لتعويض الغياب السعودي، من خلال الموقف الإماراتي في مجلس الأمن والذي جاء معارضًا لموقف لبنان الرسمي، عبر تأمين الارتياح الإسرائيلي على حساب لبنان. في مقابل تغيير الرياض لبوصلتها، وتقاربها من الصين وإيران وروسيا، مع ترك طريق للعودة إلى علاقات جيدة مع واشنطن.
وفي ظل عدم الاتزان في المنطقة يتم استبعاد اندلاع أي مواجهات كبرى في انتظار جلاء دخان المعارك في العقد الماضي عن حقائق واضحة ومؤكدة، في ظل التراجع الأمريكي والتقدم الصيني المتباطئ على وقع تباطؤ الاقتصاد الصيني الذي بات يشكل قنبلة موقوتة قد تطيح بالاقتصاد العالمي.