أمس، انطفأ أحد عمالقة السينما الفرنسية الذي طبع أجيالاً بأدواره ووسامته على الشاشة الكبيرة. وكان الممثل الذي راكم أكثر من ثمانين فيلماً في رصيده، قد عاش سنواته الأخيرة في منزله المحاط بأسوار عالية في دوشي حيث كان يرغب أن يُدفن على مقربة من كلابه
ستكون السينما دائماً الحرية والخيال والحقيقة والكذب والجمال والأناقة والثقافة. وسيكون آلان دولون (1935-2024) دائماً هو السينما. أمس، ودّعت السينما أحد هؤلاء العظماء الملعونين، الذين يخبروننا بما لا نريد سماعه، ويصبحون أبطال هذا الفن السينمائي. لا يمكن تخيّل السينما من دون آلان دولون، فهو روحها. لم يلعب أدواراً في السينما، بل كان هو نفسه الشاشة الكبيرة. دولون كان الشخصيات التي لم تتمكن السينما من كتابتها. هو الشخص الذي سوف نظل نكتشفه، تماماً مثل السينما وتاريخها.سيد السينما، يعدّ دولون من الممثلين الذين يجسّدون شخصيتهم بإقناع، بحيث يسهل نسيان أنهم يمثلون. كان هناك وعد بالحياة، بالمغامرة، في شخصياته. أحد الممثلين الأكثر جاذبية في السينما الأوروبية، غامض، لم يرغب في كتابة مذكراته، لكن مئات الآخرين كتبوا عنه كتباً ومجلدات. كان دولون متمرداً منذ صغره، طُرد من المدرسة والكلية، وصل إلى السينما بالمصادفة، وأصبحت حياته. رغم أنه لم يظهر في هوليوود، إلا أنه أصبح النجم العالمي من دون مساعدة آلة السينما الأميركية.
إنه بطل «روكو وأخواته» (1960 ــــ Rocco and His Brothers)، و«النمر» (1963 ـــ The Leopard)، و«شمس ساطعة» (1960 ــــ Plein Soleil)، «حوض السباحة» (1969 ـــ La Piscine)، والأخير مع رومي شنايدر، إحدى معشوقاته الكبيرات. ترك دولون بصمته على الأفلام بالإيماءات، تمتع بكاريزما عالية تراوح بين التوتر والكآبة. رشاقته التمثيلية طبيعية، ظهرت في فيلم جان بيار ميلفيل «الساموراي» (1967 ــــ Le Samourai). كان الفيلم غريباً تماماً، لم يُصنع فيلم واحد مثله في فرنسا والعالم، وهو يشبه دولون كثيراً. دور صامت نرجسي تماماً، لا يتحدث كثيراً. يجلس أمام المرآة يصحّح وضع قبعته، كان له الكثير من السحر. رومانسي، ولكن حازم، وفي بحث دائم عن الحدود التي يمكن نسفها.
كان أحد الممثلين الأكثر جاذبية في السينما الأوروبية
فيلموغرافيا دولون لا جدال فيها (88 فيلماً سينمائياً تقريباً). مهما كان الدور، كان الفرنسي يعرف دائماً كيف يضفي لمسته الخاصة عليه. قبل سنوات، فقد دولون «شغفه» بالعالم، وكان يقضي معظم وقته «لا يفعل شيئاً» محاطاً بحيواناته بينما يحاول الاستمتاع بأبنائه وأحفاده قدر الإمكان. كان يخاف أن يموت وحيداً، هو الذي قال «لقد كنت سعيداً قدر الإمكان طوال حياتي، قبل أي شيء، أريد أن أشارك أكبر وقت ممكن مع أطفالي وأحفادي، لا أريد أن أموت وحيداً». حنون قلب هذا الفرنسي الشهير، الذي كان غالباً ما ينظر إلى الوراء، ولا يخاف الموت لأنه اليقين الوحيد لوجوده. لكنه قالها مرة وبحزم، «الأمر المؤكد أنني لن أدع الله يختار يوم وفاتي».
قبل سنوات، اعترف بأنه لم تعد هناك امرأة قادرة على جعل قلبه ينبض، وأن السينما ماتت، وأن المخرجين، لم يعودوا كما كانوا من قبل. وقال: «لا أحب العالم اليوم، لا شيء يثيرني حقاً، ومع ذلك أنا شخص عاطفي، ما أفتقر إليه هو الرغبة والعاطفة، لكنني سأستيقظ ربما». توفي الحالم أمس الأحد في بيته في إحدى ضواحي باريس. رحل وجه السينما الأوروبية، السينما التي قدمته إلينا، ونفس السينما التي لم يعد هو يريدها، إذ قال «لقد تطورت السينما اليوم بطريقة لا أحبها. في السابق، كنت أستيقظ على كرسي أحمر لمشاهدة إنغريد بيرغمان وهي تقبل كاري غرانت وتحلم. بمجرد أن سُرق الحلم، لم تعد السينما تهمني».
شفيق طبارة- الأخبار