ما هي أهداف التهديدات «الإسرائيلية» والضغوط الأميركية؟

حسن حردان
هل يندرج تواتر التهديدات “الإسرائيلية” لكلّ من لبنان وقطاع غزة بالعودة الى شنّ حرب محدودة تحت عنوان منع حزب الله وحركة حماس من إعادة بناء قدراتهما، وممارسة المزيد من الضغط لفرض نزع سلاحهما، وهل يندرج ذلك في إطار استراتيجية إسرائيلية أميركية لمحاولة تحقيق ما فشلت فيه الحرب الإسرائيلية في ميدان القتال، عبر التصعيد والضغوط السياسية، وهل انّ ذلك مرتبط بالخطة الإسرائيلية الأميركية لفرض اتفاقيات استسلام بين الدول العربية و”إسرائيل”، وصولاً الى تحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد، والذي تفف عقبة في طريقه قوى المقاومة، لا سيما المقاومة في لبنان وغزة.. وبالتالي هل سنشهد مزيداً من التصعيد العسكري الإسرائيلي تزامناً مع تصاعد في الضغوط السياسية الأميركية لفرض الشروط والإملاءات على لبنان وقطاع غزة؟
من يراقب المشهد جيداً يلاحظ التواتر في التهديدات الإسرائيلية تجاه لبنان وقطاع غزة، مصحوبة بضغوط سياسية أميركية، على انّ هذا التناغم الأميركي الإسرائيلي إنما هو جزء من استراتيجية أوسع لا تهدف فقط إلى ما يسعى اليه القادة الصهاينة من محاولة منع إعادة بناء القدرات العسكرية لحزب الله وحركة حماس، بل وتتجاوز ذلك الى العمل الحثيث لاستغلال الظروف الراهنة في المنطقة لتحقيق أهداف سياسية وإقليمية لم تتحقق عبر القوة العسكرية، التي بلغت الحدّ الأقصى في ارتكاب المجازر النازية وتدمير كلّ مقومات الحياة في غزة، وفي تدمير بلدات وقرى في جنوب لبنان والبقاع، وأبنية في الضاحية الجنوبية لبيروت، لكنها لم تنجح في القضاء على المقاومة وقدراتها، رغم أنها حققت للعدو الإسرائيلي بعض المكاسب التكتيكية، إلا أنه في المقابل بات في عزلة دولية غير مسبوقة، فكانت خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الحرب في غزة، لاحتواء انتفاضة الرأي العام العالمي ضدّ “إسرائيل” وأميركا، واستخدام وسائل الضغط السياسي وإعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية أسلحة ضغط لتحقيق الأهداف السياسية التي فشلت الحرب في تحقيقها، وهو ما يجري اعتماده كاستراتيجية أميركية في لبنان، والتي تعبّر عنها الضغوط والتهديدات التي يقوم بها المبعوث الأميركي الخاص توم برّاك لدفع السلطة اللبنانية لتجريد المقاومة من سلاحها باعتبار ذلك هو السبيل لإخضاع لبنان وإجباره على توقيع اتفاق تطبيع واستسلام مع كيان العدو الإسرائيلي…
أولاً، كيف تتجسّد الأهداف الرئيسية للاستراتيجية الإسرائيلية الأميركية؟
تتعدّد الأهداف التي يُنظر إليها كجزء من هذه الاستراتيجية المشتركة:
الهدف الأول، نزع سلاح المقاومة أو تحييد القدرات: الهدف المعلن أو المفهوم هو نزع سلاح حزب الله في لبنان وحماس في غزة أو على الأقلّ تحييد قدراتهما الهجومية بشكل كبير. كما أن هناك ضغوطاً أميركية واضحة ومكثفة، لا سيما على لبنان، لتنفيذ الشروط والإملاءات الإسرائيلية، التي تدعو إلى نزع سلاح المقاومة.
الهدف الثاني، تحقيق مكاسب سياسية: استخدام التصعيد والضغوط كأداة لتحقيق أهداف سياسية فشلت الحرب الإسرائيلية في تحقيقها بشكل قاطع في الميدان.. وفي حالة لبنان، تسعى “إسرائيل” إلى تثبيت منطقة عازلة أو فرض ترتيبات أمنية على الحدود الشمالية، وفرض اتفاق مع لبنان يحقق الاهداف الإسرائيلية السياسية والامنية والتطبيعية.
الهدف الثالث، مشروع الشرق الأوسط الجديد:
من الواضح انّ هذه الضغوط إنما تستهدف في نهاية المطاف تحقيق حلم واشنطن وتل أبيب بإقامة “مشروع أميركي ـ صهيوني” أوسع يهدف إلى تصفية المقاومة، وإزالة العقبات أمام تطبيع واسع النطاق بين “إسرائيل” والدول العربية، وفرض رؤية إقليمية جديدة.. ولهذا يُعدّ وجود قوى مقاومة مسلحة كحزب الله وحماس عقبة كبرى أمام هذا المشروع.
ثانياً، مؤشرات التصعيد:
هناك مؤشرات تدلّ على تزامن التصعيد العسكري المحدود، تحت سقف الحرب الواسعة، والتهديدات الإسرائيلية مع الضغوط السياسية الأميركية:
1 ـ التهديدات والإنذارات: تتحدث “إسرائيل” علناً عن خطط لشنّ عمليات عسكرية واسعة في لبنان إذا لم تتمّ تلبية مطالبها بنزع سلاح حزب الله وتنفيذ طلباتها واشتراطاتها.
2 ـ الدبلوماسية الأميركية: تقوم البعثات الدبلوماسية الأميركية المتكررة إلى المنطقة، ولا سيما إلى بيروت، بـ نقل رسائل إنذار مفادها أنّ الوقت ينفذ أمام لبنان لتسوية قضية سلاح حزب الله، وغالباً ما تتضمّن هذه الرسائل تهديداً ضمنياً، وأحياناً علنياً، بحرية العمل العسكري الإسرائيلي.
3 ـ خروقات وقف إطلاق النار: تستمر “إسرائيل” في خرق اتفاقيات وقف إطلاق النار الهشة في كلتا الجبهتين، جنوب لبنان وغزة، مما يبقي على توتر عسكري يسمح بتصعيد مستمرّ للضغط.
انطلاقاً مما تقدّم يمكن القول، إنه لا يمكن الفصل بين التهديدات الإسرائيلية واستراتيجية الضغط الأميركية. فهما وجهان لعملة واحدة تهدف إلى تغيير الوضع القائم في لبنان وغزة بما يخدم الأهداف الأمنية والسياسية الإسرائيلية والأميركية في المنطقة، لا سيما في سياق محاولات إعطاء دفع لما يُسمّى بـ “مشروع الشرق الأوسط الجديد”، الذي يستهدف تصفية قضية فلسطين وجعل الدول العربية تعقد “اتفاقيات صلح مع إسرائيل”، لتتحوّل الأخيرة الى مركز المنطقة، المربوطة أيضاً بالولايات المتحدة، بكلّ أشكال التبعية العسكرية والأمنية والاقتصادية والسياسية







