الاخبار الرئيسيةعربي ودولي

غزة بين الخطين الأحمر والأصفر: اتفاق وقف إطلاق النار… حبر على ورق

بقلم: مبارك بيضون – مدير مركز بيروت للأخبار

لم يعد ما يجري في قطاع غزة مجرّد خرق لاتفاقية وقف إطلاق النار، بل تحوّل إلى مشهدٍ يوميٍّ من العدوان الممنهج الذي يُعيد تكرار المأساة الفلسطينية في حلّة جديدة، وسط صمتٍ دوليٍّ يشي بالعجز أو التواطؤ.

منذ ليلة الأمس وحتى صباح اليوم، تصاعد القصف الإسرائيلي الجوي والمدفعي على القطاع، مستخدمًا القذائف الثقيلة التي طالت مناطق سكنية وبنى تحتية، في خرقٍ واضحٍ للاتفاق المعلن قبل أسابيع. ومع كل غارة جديدة، تتبدّد الثقة بجدوى أي التزام سياسي أو أمني تروّج له الأطراف الراعية للتهدئة.

اليوم، يعيش الشعب الفلسطيني بين خطين أحمر وأصفر، وهما رمز لواقع الاحتلال الميداني الذي يُحاصر أكثر من نصف مساحة غزة — تحديدًا نحو 52% من أراضيها — ويحوّلها إلى مناطق قتلٍ ممنهجة. هناك، لا شيء يفصل المدنيين عن الموت سوى بضع خطوات عن مكعبات إسمنتية نُصبت كحدودٍ للعقاب الجماعي، يختبئ خلفها قناصة الاحتلال بانتظار أي حركة.

إن ما يحدث ليس فقط خرقًا ميدانيًا، بل سياسة استراتيجية تهدف إلى فرض واقع جديد على الأرض، ينسف كل المعادلات السابقة، ويجعل من غزة مختبراً للضغط السياسي والأمني قبل أي مفاوضات قادمة.

من الواضح أن الاحتلال الإسرائيلي لا يريد تهدئةً دائمة، بل يريد هدنةً يتحكم بتوقيتها وحدودها. فهو من يطلق النار، وهو من يقرر متى يعلن “الهدوء”، في مشهدٍ يكرّس اختلال ميزان القوى بين الضحية والجلاد.

أما المجتمع الدولي، فيبدو غارقًا في بياناته التقليدية، التي لا تتجاوز حدود التنديد اللفظي، تاركًا غزة تواجه مصيرها وحدها. وهنا يبرز السؤال الجوهري:
هل لا تزال اتفاقية وقف إطلاق النار قائمة فعلاً؟ أم أنها تحوّلت إلى وثيقة شكلية فاقدة المعنى أمام استمرار الجرائم اليومية؟

في المقابل، تؤكد فصائل المقاومة الفلسطينية أن استمرار هذا التصعيد لن يمرّ من دون ردٍّ ميداني، مشددة على أن الاحتلال يتحمل كامل المسؤولية عن أي تدهور جديد. وهي رسائل تحمل في طياتها إنذارًا واضحًا: السكوت لم يعد خيارًا، والميدان وحده سيجيب على خروقات العدو.

غزة اليوم ليست فقط ساحة مواجهة عسكرية، بل اختبارٌ للضمير الإنساني ولقدرة العالم على احترام التزاماته تجاه شعبٍ يُذبح يوميًا تحت عنوان “التهدئة”.
فهل يستيقظ العالم قبل أن تتحول هذه الاتفاقيات إلى مجرد سطورٍ في أرشيف النفاق الدولي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى