ضعف الروادع الأممية يفتح الباب أمام “شريعة الغاب” الصهيونيةّ!!!
كتب مدير “مركز بيروت للأخبار” مبارك بيضون:
ثمة قرارات دولية من شأنها أن تؤدي إلى اتخاذ تدابير رادعة بحق أي جهة من طرفي نزاع ما، تخالف قراراً لوقف إطلاق نار على سبيل المثال، وتبدأ باعتداءات أو خروقات.
هذا الكلام يتحول إلى واقع ولا يبقى في إطار “الحبر على ورق” حينما تتجرأ أي من الدول المنضوية تحت لواء منظمة الأمم المتحدة أو الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي لفرض هذه الإجراءات والتدابير الرادعة.
لبنان اليوم أمام مشهد تختلف فيه كل المعايير والثوابت الأممية من خلال ما تقوم به يقوم به الكيان الإسرائيلي من خروقات واعتداءات ومجازر تُرتكب بحق المدنيين، عدا المحرّمات الدولية التي ترتكبها من إبادة جماعية تطال النساء والأطفال حتى الحوامل لم يسلمن من هذا الإجرام.
بداية الأطماع.. وفخ الخديعة
فإذا كان المجتمع الدولي لا يرى ما تقوم به “الدولة العبرية”، فهذا يفتح الباب على مصراعيه للعديد من الدول كي تقدم على انتهاكات سيادة أي من الدول، إضافة إلى الاعتداءات المتبادلة بين عدد من القوى في بعض من العواصم والدول الافريقية أو غيرها من الدول العربية أيضاً، التي تعيش حروباً وصراعات داخلية وسواها من الدول التي تعاني انتهاكات عنوانها العريض “الأطماع التوسعية”، كالتي شهدناها منذ تأسيس دولة الكيان الغاصب، وهذا قد اعتادته حكومات هذا الكيان المتعاقبة منذ انتزاعها قرار الاعتراف بدولة ما يسمى “الكيان الصهيوني” على الأراضي الفلسطينية المحتلة بناءً لأقذر وعد في التاريخ صدر عام 1917 “وعد بلفور”.
منذ ذلك الحين، ظهرت الانقسامات الحادة في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما دول الجوار المحيطة بفلسطين المحتلة، بعدما وقع الملك فيصل في فخ الخديعة ونكث الغرب بوعد الاستقلال عن الحكم العثماني، لكن ظهر اتفاق “سايكس بيكو” إلى العلن، مقسّماً الدول العربية كودائع تحت الانتدابين البريطاني والفرنسي، ما شرعن الأطماع الاستعمارية للمملكة المتحدة، التي منحت ما “لا تملكه إلى مَنْ لا يستحق”، وهي الأراضي الفلسطينية للصهيونية العالمية، لإقامة دولتها المزعومة على أراضيها وتنطلق بها للتوسع نحو دول الجوار العربي.
من دولة هجينة إلى شرق أوسط جديد!
ورويداً رويداً بعد الإعلان الرسمي عن هذا الكيان دولة معترفاً بها، بدأ التوسع الصهيوني نحو الجولان، جنوب لبنان وسيناء، دون أن تتمكن الدول العربية آنذاك من وضع حد للتمادي الدولي والإقليمي في التراخي أمام “الدولة الهجينة الجديدة”، مفرّطين بالأراضي الفلسطينية دون أي حقوق لشعبها أو مكتسبات قانونية ودولية لأهل الأرض الأصليين.
من هنا نرى أن الصورة الأممية والدولية لـ”عصبة الأمم”، قبل أن تتحول لاحقاً إلى “منظمة الأمم المتحدة” كانت منحازة في قراراتها التي اتخذتها، واستمرّت على نفس الحال، بل ما زالت النصوص القانونية المدرجة داخل ميثاقية الأمم المتحدة تتداعى والشواهد كثيرة.
من هذه الشواهد اليوم، ما نعيشه في المحيط العربي ولا سيما “الشرق الأوسط الجديد” برعاية أميركية ودولية، يتشارك فيها الجميع دون استثناء من بريطانيا وفرنسا وبعض دول الدول الغربية تحت حجج وذرائع متعدّدة، وصولاً إلى الصراعات المتعددة بين الدول العربية، وحتى داخل الدولة الواحدة بين الشعوب والأنظمة، فباتت أغلب الدول العربية منهكة من الداخل وانهارت بعض الأنظمة والبعض الآخر انخرط بطريقة أو بأخرى في عملية ما يسمى “التطبيع”.
شريعة الغاب تحكم العالم
كل ذلك يتماهى مع مزاجية دول القرار المهيمنة على المنطقة، وها نحن اليوم نشهد تفاعل الشعوب في المنطقة، لاسيما في بريطانيا التي اعترف مجلس اللوردات فيها بدولة فلسطين، ما تسبب بانقسام حاد في الداخل ولاسيما حزب العمال اليساري ومجلس الأعيان.
إذن نحن اليوم أمام مرحلة خطيرة جداً، تقودنا إلى الهاوية والفوضى المتنقلة، التي بدأت تظهر في عدد من الدول وعودة حركة التنظيمات الإرهابية التي صنعها التراخي الدولي والإقليمي المهيمن على المؤسسات الدولية وخاصة الأممية منها، فالبقاء على هذه الوتيرة قد يُعيد “شريعة الغاب” إلى حكم العالم، ونحن نستشعر ذلك من خلال الخطر المتنقل والأزمات التي تولد من رحم الفوضى، وضعف الإجراءات القانونية والتدابير الأممية العادلة، التي تتمثل في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، الذي بات صورة نستشعر بها كعلم يرفرف دون أدنى صلاحيات من تنفيذ مقرراته.