امام اختبار الوحدة: هل نستعيد روح 2005 في وجه عدوان 2025؟ “لا مقاومة بلا إجماع، ولا إجماع بلا تضامن”

كتب مدير “مركز بيروت للأخبار” مبارك بيضون:
يعيش اللبنانيون اليوم مرحلة دقيقة تتطلّب أعلى درجات الوعي الوطني والوحدة الداخلية، في ظلّ ما يتعرّض له من اعتداءات إسرائيلية متواصلة تستهدف أرضه وسيادته وشعبه، فإنّ أيّ موقف وطني لا يقوم على التضامن بين جميع القوى اللبنانية، ودون التفريط بحقّ المقاومة وحقوق الذين ضحّوا بالغالي والنفيس دفاعاً عن الوطن، سيكون قاصراً عن مواجهة هذا التحدّي المصيري.
لقد أثبت التاريخ القريب أنّ اللبنانيين، متى توحّدوا، استطاعوا أنْ يُغيّروا موازين القوى، فكما اجتمعوا سابقاً، في لحظة وطنية نادرة، لإخراج القوّات السورية من البلاد، حين توحّدت الأحزاب والمجتمعات المدنية والطوائف على هدف واحد وصرخوا في وجه التواجد السوري، مطالبين المجتمع الدولي بالتدخّل، فإنّ اللحظة الراهنة تفرض روحاً مشابهة من الالتفاف الوطني، لكن هذه المرّة في مواجهة العدوان الإسرائيلي.
ومع ذلك، لا يمكننا أنْ نُساوي بين المشهدين؛ فالاحتلال الإسرائيلي المستمرّ والاعتداءات اليومية تختلف عن مشهد الثورة على التدخّل السوري. إنّ المطالبة بإنهاء المقاومة أو حلّها، في ظلّ غياب تفاهم داخلي وإجماع وطني، لا تُنتج سوى مزيد من الانقسام، وتُضعف قدرة لبنان على حماية نفسه، فالوحدة الوطنية لا تعني التنازل عن حقّ المقاومة، بل صياغة موقف جامع يوازن بين حماية السيادة وبناء الدولة.
اليوم، وبينما تمارس إسرائيل عدوانها بلا انقطاع، للأسف تتشتّت الصرخة الوطنية بين اتجاهات متعددة، وليس من المقبول أنْ تبقى المطالب محصورة ضد جهة أو فئة بعينها، وتتركز على ملف حصرية السلاح، بل يجب أنْ تشمل جميع المكوّنات اللبنانية ضمن هدف واضح: الدفاع عن الأرض والإنسان والسيادة، والضغط على المجتمع الدولي لإنهاء العدوان الإسرائيلي.
لقد خَبِرَ اللبنانيون نفاق القوى الدولية التي ادّعت دعمهم في الماضي، ثمّ تخلّت عنهم حين اشتدّت الحاجة. لذلك، لا بدّ اليوم من إطلاق صرخة جديدة تعبّر عن تضامن مشترك والتفاف حول موقف وطني موحّد، يحصّن الداخل ويُعيد للبنان قدرته على التفاوض من موقع قوة، لأن الحفاظ على وحدة الموقف الوطني أمام عدوّ واحد ليس ترفاً سياسياً، بل ضرورة وجودية. فالتحرّك الموحد قادر على تغيير الواقع، كما فعل اللبنانيون في مواجهة التواجد السوري، واليوم يجب أن يُستعاد هذا النموذج بمسؤولية عالية وإدراك عميق بأنّ الانقسام لا يخدم إلاّ العدو.
يبقى التحدّي الأكبر أمام اللبنانيين هو تحويل هذه الوحدة المنشودة إلى فعلٍ سياسيٍّ فعليٍّ وضغطٍ ملموسٍ على المجتمع الدولي لحماية لبنان، وضمان استقلاله وكرامة شعبه، وحفظ حقوق الذين قدّموا أرواحهم في سبيله، فالدولة القوية هي التي تصون تضحيات أبنائها، وتحافظ على سيادتها، وتضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.







