الاخبار الرئيسيةمقالات

المقاومة حق لا يسقط ‘ لبنان بين شرعية الدفاع ومشاريع الإنهاء ‘ “اي لبنان نريد”

المقاومة حق لا يسقط ' لبنان بين شرعية الدفاع ومشاريع الإنهاء ' "اي لبنان نريد"

كتب المحامي حسين رمضان:
في كل مرة يُفتح فيها النقاش في لبنان حول سلاح المقاومة، تعلو أصوات تُطالب بنزعه وكأنه أصل كل الأزمات، متجاهلة واقع الاحتلال الإسرائيلي، ومتناسية سلسلة الاعتداءات المتكررة على السيادة اللبنانية. وكأن المطلوب من بلد صغير كلبنان، محاط بعواصف إقليمية لا تهدأ، أن يتخلى عن عناصر قوته في لحظة يُعاد فيها رسم خرائط النفوذ في الشرق الأوسط.

منذ نكبة فلسطين، مرورًا باجتياح 1982، وحرب تموز 2006، وصولًا إلى العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان عام 2024، لم تتوقف إسرائيل عن انتهاك السيادة اللبنانية برًا وبحرًا وجوًا. هذه ليست روايات حزبية بل وقائع موثقة بتقارير رسمية صادرة عن الجيش اللبناني والأمم المتحدة. نحن بلد يعيش حالة عدوان دائم، وما من شعبٍ حرٍ في العالم يقبل أن يُنزع سلاح مقاومته فيما العدو لا يزال يحتل ويعتدي.

مقالات ذات صلة

القانون الدولي، لا سيما المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، يكفل للشعوب حق الدفاع المشروع عن النفس، ويقرّ بمشروعية مقاومة الاحتلال. بالتالي، لا يمكن طرح مسألة نزع السلاح بمعزل عن الواقع الجيوسياسي القائم. إن هذا الطرح، في توقيته ومضمونه، لا يخدم إلا مشاريع الهيمنة الإسرائيلية التي تسعى لتحييد لبنان وإخراجه من معادلة الردع.

نحن بحاجة إلى دولة قوية، بعدالة قضائها، ونزاهة إدارتها، ووحدة جيشها. ولكن هذه الدولة لا تُبنى على أنقاض مقاومة حررت الأرض، وصنعت توازنًا ردعيًا حمى لبنان لعقود. بل تُبنى على قاعدة التكامل بين مؤسسات الدولة والمقاومة، في إطار رؤية دفاعية وطنية تحمي السيادة وتُعيد تنظيم عناصر القوة ضمن مظلة الدولة.

المقاومة ليست حالة طارئة، بل هي نتاج تقصير رسمي مزمن في الدفاع عن الشعب، وهي ليست جيشًا موازيًا كما يروّج البعض، بل مكوّن دفاعي وطني يجب احتضانه وإدماجه، لا استعداؤه أو تجريمه. ومن يسعى لتفكيك هذه القوة في لحظة إقليمية دقيقة، إنما يُفرّط بسيادة البلد، ويمنح العدو فرصة استفراد لبنان.

لبنان ليس بمنأى عن الصراع الإقليمي. ما يحدث في فلسطين وسوريا والعراق ينعكس علينا مباشرة، وتل أبيب نفسها تعترف بأن ما تقوم به من عمليات عسكرية هو جزء من مشروع إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط. في هذا السياق، يصبح تفكيك عناصر القوة اللبنانية ضربًا من ضروب الانتحار السياسي.

إن المطلوب اليوم ليس تصفية المقاومة، بل تطوير رؤية دفاعية وطنية تُنظّم العلاقة بين الدولة والمقاومة ضمن إطار السيادة والقانون. المطلوب أن نتعاطى مع المقاومة كرصيد وطني، لا كعبء داخلي. فالمعادلة واضحة: لا دولة بلا دفاع، ولا دفاع فعال بلا تنظيم.

المقاومة ليست مشروعًا خاصًا، بل قضية وطنية تتصل مباشرة بحق الشعوب في تقرير مصيرها. وفي مواجهة عدوان مستمر، لا يجوز تحويل سلاح المقاومة إلى مادة سجال داخلي. بل يجب التوحد حوله كعنصر ردع وطني، والعمل على تأطيره بما يخدم الدولة ويحمي الوطن.

بين مشاريع نزع السلاح، وخطاب التعايش مع الاحتلال، يبقى الخيار الوطني واضحًا: بناء دولة قوية تحتضن عناصر القوة، لا أن تتخلى عنها. دولة توازن بين السيادة والديمقراطية، وتُحصّن أمنها بالشراكة لا بالاستعداء. هذه هي المعادلة التي يجب أن تحكم خطابنا السياسي، بعيدًا عن المزايدات والتبعية.

في هذا المفترق، لا نملك ترف التجريب. لبنان لا يحتمل مغامرات سياسية تنسف توازناته. والمطلوب ليس نزع السلاح، بل نزع الأوهام التي تعتقد أن الانكشاف يحمي الوطن. المقاومة مسؤولية وطنية، والدولة القوية وحدها هي القادرة على احتضانها وتحويلها إلى ضمانة دائمة للسيادة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى