أخبار محليةالاخبار الرئيسية

الاعتداء على البيئة في لبنان: من مغارة جعيتا إلى فيلا الفقمة... عندما يُباع الوطن بالدولار

الاعتداء على البيئة في لبنان: من مغارة جعيتا إلى فيلا الفقمة... عندما يُباع الوطن بالدولار

الاعتداء على البيئة في لبنان داخل مغارة جعيتا، حيث تحوّلت الجوهرة الطبيعية إلى صالة حفلات مما يهدد البيئة والتنوع الطبيعي.

في أحدث صور الاعتداء على البيئة في لبنان، تحوّلت مغارة جعيتا إلى صالة حفلات، ما أثار غضبًا واسعًا حول الفساد والإهمال البيئي. كيف وصل بلد “الطبيعة الخلابة” إلى هذا الحد من التعدّي على كنوزه الطبيعية؟

يعيش لبنان اليوم واحدة من أسوأ مراحل الاعتداء على البيئة، في بلد لا سلطة فيه تعلو على سلطة الدولار. فخلال أسبوع واحد فقط، قدّم اللبنانيون مشهدين صادمين: تشييد فيلا فوق مغارة الفقمة في عمشيت، وإقامة حفلة زفاف داخل مغارة جعيتا، ما فتح الباب أمام تساؤلات كبرى حول غياب الرقابة، وانهيار القيم البيئية في بلد كان يُعرف بـ«سويسرا الشرق».

تُعدّ مغارة جعيتا من أبرز المعالم الطبيعية والسياحية في لبنان، ووصفت يومًا بـ«جوهرة لبنان الجيولوجية». لكن هذه الجوهرة تحوّلت إلى ساحة رقص وضجيج بعد سماح بلدية جعيتا بإقامة حفلة زفاف داخلها، دون الرجوع رسميًا إلى وزارة السياحة أو استشارة النادي اللبناني للتنقيب عن المغاور كما ينص العقد بين الطرفين.

هذا الحدث أثار موجة غضب شعبية وبيئية، إذ حذّر الخبراء من أن ارتفاع نسبة ثاني أوكسيد الكربون CO₂ خلال الحفل كان يمكن أن يؤدي إلى حالات اختناق، خاصة أن المعدل داخل المغارة يرتفع تلقائيًا مع وجود الزوار.

يشير رئيس النادي اللبناني للتنقيب عن المغاور جوني طوق إلى أن الأصوات الصاخبة والضجيج يمكن أن تؤدي إلى زعزعة الهوابط والصواعد، وهي التكوينات الكلسية الحساسة التي تشكّلت عبر آلاف السنين. كما أن الحيوانات الصغيرة والخفافيش التي تعيش في المغارة تتأثر بشدة من الأصوات العالية والاهتزازات.

القضية لم تقف عند حدود الخطر البيئي، بل كشفت عن خلل إداري وقانوني. فبينما تؤكد وزارة السياحة أن بلدية جعيتا خالفت العقد الموقع معها، تبرّر البلدية تصرفها بأنها أعلمت الوزارة شفهيًا، وأن النشاط لم يتجاوز 30 دقيقة.
لكن بحسب رئيس هيئة الشراء العام جان العليّة، فإن أي عقد مالي تبرمه البلدية يجب أن يخضع لقانون الشراء العام، ما يجعل إقامة الحفل من دون موافقات رسمية مخالفة واضحة.

يرى خبراء السياحة المستدامة أن ما يحدث اليوم في لبنان ليس سياحة بيئية، بل تسليع للطبيعة. يقول المستشار عون أبي عون إن «السياحة البيئية الحقيقية تعتمد على احترام المواقع الطبيعية وحمايتها، لا على تحويلها إلى مشاريع تجارية».
ويضيف أن لبنان خرج من خارطة الوجهات البيئية العالمية بسبب سوء التنظيم وغياب معايير السلامة.

قضية مغارة جعيتا ليست مجرد حادثة منعزلة، بل هي نموذج مصغّر عن الاعتداء الممنهج على البيئة في لبنان، حيث تُستغل المواقع الطبيعية لأغراض تجارية قصيرة الأمد على حساب المصلحة العامة.
فمن تدمير الشواطئ والمغاور إلى ردم الوديان وبناء المنتجعات العشوائية، يبدو أن الفساد البيئي أصبح جزءًا من مشهد الحياة اللبنانية اليومية.

الاعتداء على البيئة في لبنان لم يعد حدثًا عابرًا، بل سياسة أمر واقع تتغذى من الفوضى والفساد. ومع غياب المحاسبة، يبقى الخطر الأكبر أن نفقد ما تبقّى من ثروات لبنان الطبيعية، وأن يتحوّل الوطن الأخضر إلى ذكرى تُروى في كتب التاريخ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى