الإرهاب المنظم غاية أميركية عاجزة عن احتواء المشهد

كتب مبارك بيضون

مبارك بيضون
مبارك بيضون

تصاعدت حدة الخلافات في حكومة العدو بعدما تجاوزت الحرب على غزة الـ 225 يومًا، إذ بات مصير الجميع على حافة الهاوية، بداية من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وأقطابها الأربعة أي وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الدفاع يوآف غالانت وعضو مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس، إضافة إلى رئيس الأركان هرتسي هليفي وكبار الضباط، فضلا عن زعيم المعارضة يائير لابيد، حيث بات من المعلوم أن نهاية الحرب تعني بشكل قاطع بداية مرحلة جديدة من الحياة السياسية والعسكرية والاقتصادية في الكيان.

التغيرات السياسية ستبدأ من إنهاء الحياة السياسية لنتنياهو، وإزاحة اليمين المتطرف عن سدة الحكم، لمصلحة اليمين الأقل تطرفًا، خاصة مع ما تشهده الحياة السياسية من مد وجزر بين أقطاب الحكومة الأربعة، من جهة يحمل بن غفير و سموتريتش لواء توسيع الحرب وفتح الجبهات من دون الأخذ بعين الاعتبار قدرة الجيش الإسرائيلي المنهك، من حرب مستمرة منذ ما يزيد عن سبعة أشهر، بمقابل غالانت وغانتس اللذان يحملان لواء إنقاذ ما تبقى من الأسرى بصفقة مع حماس، لضمان حياتهم، وهذا ما يتلاقى مع المشروع الأمريكي في المنطقة الذي بات يقف أمام جموح التيارات الدينية في الكيان.

 

الحكومة الإسرائيلية حملت منذ تشكيلها الهجين، تياراتٍ سياسيةٍ متضاربةٍ في عقائدها، ومصالحها في سبيل الحفاظ على مسيرة نتنياهو التي ستنتهي في اليوم التالي للحرب، التي ستكون أمام محاكمة من المستوطنين قبل القضاء، حيث حاول إطالة أمد الحرب، والمتاجرة بدماء الجنود والأسرى، وقامر بالاقتصاد الإسرائيلي برمته بغية تسجيل نصر يمكن تقديمه إلى المستوطنين لدرء تهمة عبثية الحرب.

 

العبثية تجلت للجميع حين انقلب نتنياهو على موافقة حماس على العرض السخي الذي قدمته الولايات المتحدة ضمن الوساطة المصرية، وبدأ بمرحلة جديدة من الاجتياح البري لقطاع غزة، لتنقلب الصورة رأسًا على عقب، ويصبح قطاع غزة كرة لهب تحرق جنود الجيش الإسرائيلي وآلياته من شمال غزة لأقصى جنوبها، مما يؤكد على عدم تمكن الجيش من تركيز أي قواعد له في القطاع المدمر، وكشف زيف ادعاءات قادة الحكومة بتدمير فرق حماس في شمال القطاع، تزامنًا مع ازدياد عمليات المقاومة على جبهته الشمالية، وتدخل أنصار الله المرحلة الرابعة في مسلسل المساندة العربية للقطاع المحاصر، مما جعل الخيارات أمام نتنياهو تضيق، والوقت يُستنزف، خاصة مع مهلة الثلاثة أسابيع التي وضعها بني غانتس أمام نتنياهو لتسوية الأوضاع قبيل فرط عقد الحكومة، وربما جاء ذلك بمباركة أميركية لوضع حد لنتنياهو الغارق في بحر من الدماء.

 

هذا البحر بات يلطخ سمعة الإدارة الأميركية، خاصة مع بدء وصول شحنة الذخائر المعلقة، التي كانت إرضاءً للوبي الصهيوني في واشنطن، قبيل الحرب، في المقابل الجسر العائم المخصص لنقل المساعدات إلى قطاع غزة ما إلا لذر الرماد بالعيون، ما نفع الحصص الغذائية أمام تساقط القنابل الإسرائيلية فوق رؤوس العزل؟

 

التغير العسكري أصبح واضحًا للجميع، حيث بات تدبير هنيبعل هو عقيدة ثابتة للجيش، ولا ضير بالتضحية بمئات الجنود في إطار حرب وجودية على الكيان، كما لا ضير بقتل الأسرى كي لا يصبحوا ورقة ضغط بيد حماس، كما لا ضير باستهلاك المجهود الحربي في سبيل حرب لم يعتد الكيان على طول مدتها، مما حدا بالجيش الإسرائيلي زج فرق جديدة في غزة في سبيل رفع المعنويات المنهارة، خاصة مع إعلانات حركات المقاومة وتوثيقها لعملياتها، مما يفضح الجيش الإسرائيلي وادعاءات أرقامه.

 

التغير الاقتصادي يتركز على محاولة للاكتفاء الذاتي في ظل ما جرى من سيناريو مصغر لحرب كبرى ستأتي على الكيان لا محالة، حيث الحصار الاقتصادي اليمني خنق دورة الحياة في الكيان، وتهجير مستوطني غلاف غزة والشمال دمر القطاع الزراعي، وبات لا بد من بدائل لأي حرب قادمة لا تكلف الكيان ضربية الاعتماد على جيرانهم العرب.

 

في المحصلة، لا يخفى على أحد أن قرار الحرب على غزة بيد الإدارة الأميركية التي تبحث عن أصوات تنقذها أمام جنون الرئيس السابق دونالد ترامب، ويكون باللعب على الحبال بين المسلمين من حيث الوعود والأقوال والصهاينة من حيث الأفعال والسلاح، في معادلة فضحها وعي الشباب في الولايات المتحدة من خلال حراكهم الذي كشف زيف ادعاءات الديمقراطية، وأبرز الوجه الحقيقي للحرية الأميركية التي تريد تصديرها إلى الشعوب.

Exit mobile version