الأميركي أطلق يد الاحتلال وكبّل لبنان… إلى حين
وقف إطلاق نار أم هدنة تخرُقها إسرائيل أو إختبار للنوايا؟
كتب غاصب المختار في “اللواء”:
بات واضحاً ان منذ اليوم الأول لبدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب لبنان انه يسري على جانب واحد هو لبنان، بينما خرق جيش العدو الإسرائيلي هذا الاتفاق منذ اللحظة الأولى وحتى نهار أمس أكثر من مرة، بالقصف والغارات على القرى وإطلاق النار على الصحافيين الذين يتولون تغطية عودة النازحين الجنوبيين من المدنيين ما أدّى بين أمس الأول وأمس الى سقوط بين 4 و6 شهداء وعدد من الجرحى، كما قام العدو الإسرائيلي ظهر أمس باستهداف تجمعات أهالي بلدة الطيبة بصواريخ من مسيّرة على ثلاث دفعات، ما أدّى إلى إصابة ثلاثة مواطنين بجروح. ثم أغار بعد الظهر على منطقة صيدا.
وأعطى العدو لنفسه الحق بالتوافق مع الجانب الأميركي من الاتفاق المُفترض انه «وسيط نزيه»، بإن يعتبر ان «وصول مشتبه بهم بعضهم بسيارات إلى عدّة مناطق في جنوب لبنان يشكّل انتهاكاً» من دون تحديد ماهيّة المشتبه بهم، بينما لم نلحظ بعد أي رد من لبنان ولا من قوات اليونيفيل على هذا الخرق، علماً ان العدو أنذر سكان الجنوب بعدم العودة الى قراهم حتى في قرى الخط الثاني من الجنوب وليس الحد الحدودي الأول، وهو ما يعني عمليا وواقعياً فرض نوع من المنطقة الخالية من السكان بعمق يتجاوز قرى الشريط الحدودي ليصل الى أكثر من 5 كيلومترات، وهو مطلب إسرائيلي رافق المفاوضات التي جرت خلال الشهرين الماضيين لوقف القتال.
هذه الخروقات تؤكد ان ما جرى هو اتفاق أميركي – إسرائيلي وليس رباعياً كما قيل، فلبنان تبلّغ ووافق بعدما قدّم بضع ملاحظات، وفرنسا العضو الرابع في الاتفاق لعبت دور الشاهد لا المراقب الفعلي والمتدخّل لمنع أي تعرّض للجانب اللبناني من الحدود، عدا عن ان الاتفاق بشكله وتفاصيله وجوهره سمح ببقاء قوات الاحتلال في القرى التي دخلتها لمدة ستين يوماً قابلة للمماطلة والتسويف والتأخير تحت ألف حجة وحجة ، وفَرَضَ على لبنان سحب قوات المقاومة بسلاحها من القرى، ما يعني استبعاد حصول أي رد من جانبها، مع ان الاتفاق أعطى لبنان حق الدفاع عن النفس، وهذا الدفاع يُفترض أن يعني الدفاع عن المواطنين اللبنانيين الذين يتعرضون لإطلاق نار من جانب العدو.
من هنا طُرِحَ السؤال: هل مسموح للجيش اللبناني بعد انتهاء تعزيز انتشاره جنوب الليطاني بالردّ على مصادر النار الإسرائيلية؟ وهل لديه القرار السياسي الرسمي بالردّ؟ واستدراكاً هل يكون الجيش محمياً بموجب الاتفاق ولجنة المراقبة من رد العدو على مواقعه وحواجزه في حال رد على مصادر النيران وفقاً لحق الدفاع عن النفس؟ وهل ستقدم الولايات المتحدة الأميركية الى الجيش اللبناني السلاح والعتاد الكافي لردّ أي اعتداء إسرائيلي أم ان المطلوب إبقاء الجيش ضعيفاً أمام ترسانة العدو الأميركية الكبيرة؟… واستدراكاً، ماذا ستكون ردّة الفعل السياسية والعسكرية لو ردّت المقاومة على الاعتداءات إذا تمادى العدو بها؟
المقاومة أعلنت في بيان ليل أمس الأول بعد سريان قرار وقف إطلاق النار، «أن مجاهديها ومن مُختلف الاختصاصات العسكريّة، سيبقون على أتم الجهوزيّة للتعامل مع أطماع العدو الإسرائيلي واعتداءاته، وأن أعينهم ستبقى تتابع تحركات وانسحابات قوّات العدو إلى ما خلف الحدود، وأيديهم ستبقى على الزناد، دفاعا عن سيادة لبنان وفي سبيل رفعة وكرامة شعبه. وعاهدت أهلنا الشرفاء وكل الدماء الزاكية، والأرواح الطاهرة، بأن تكمل طريق المُقاومة بعزيمة أكبر، وبأن تستمر في الوقوف إلى جانب المظلومين والمستضعفين والمجاهدين في فلسطين بعاصمتها القدس الشريف، التي ستبقى عنوانا وطريقا للأجيال الحالمة بالحرية والتحرير».
هذا الموقف يؤكد ان اتفاق إطلاق النار سيكون مجرد هدنة هشّة قابلة للسقوط، ما لم تردع لجنة المراقبة الخماسية الراعية للاتفاق والمشرفة على تنفيذه جيش الاحتلال عن خرق الاتفاق واستهداف المدنيين، وقد تكون الخروقات سبباً تريده إسرائيل لجرّ المقاومة الى الرد – ما لم يرد الجيش اللبناني وحتى لو رد – لتواصل تدمير ما تبقّى لها من أهداف ومناطق مدنية في الجنوب وغيره، ولتعطي لنفسها المبرر للبقاء مدة أطول في قرى الجنوب التي دخلتها وتمعن فيها مزيداً من التفجير للمنازل بحجّة تدمير البنى التحتية للمقاومة.
وفي كل الأحوال يُفترض إنتظار انتهاء انتشار الجيش في كامل مناطق الجنوب لمعرفة كيفية تعاطيه مع الوضع على الأرض، وانتهاء نشر المراقبين الأميركي والفرنسي وحركة قوات اليونيفيل لتظهر حقيقة دورهم، هل هم بمثابة حرس حدود للكيان الإسرائيلي ومصالحه وأمنه واستقراره على حساب لبنان، أم يعيدون النظر في أدائهم بما يحمي لبنان وأهل الجنوب من أي اعتداء إسرائيلي.
لا شك ان مسؤولية عودة التوتر والتصعيد بعد مهلة الستين يوماً، التي لن تكون هادئة تماماً كما ظهر من اليومين الماضيين، تقع أولاً وآخراً على الجانب الأميركي الذي أعطى التعهدات لكيان الاحتلال وأطلق يده بفعل ما يريد، وأغدق عليه مجدداً صفقة قنابل ذكية متطورة قبل أيام صادق عليها الرئيس جو بايدن بقيمة 680 مليون دولار. فعن أي استقرار وازدهار للبنان يتحدث عنه الأميركي؟
هذه التعهدات الأميركية للاحتلال الإسرائيلي أطلقت يده في الجنوب وكبّلت يد لبنان، لكن الى حين أن تقرر المقاومة الرد عليها بما يُناسب المرحلة وبما يعيد حالة التوازن الى سيرتها الأولى ويُحبط أهداف الاحتلال. لذلك ستكون فترة الشهرين اللذين حدّدهما اتفاق وقف إطلاق النار فترة اختبار للنوايا وللتوجهات والأهداف الفعلية من وراء هذا الاتفاق لا سيما لدى الأميركي والإسرائيلي.